زينب وحيدر طفلان غادرا العراق بحثا عن الأمل… وعادا إليه في نعشين

قضى موج البحر الفاصل بين تركيا واليونان، على الأمل بحياة أفضل للطفلة زينب، وشقيقها حيدر، اللذين دفنا، الأربعاء، في العراق بعد أيام من غرق المركب الذي سرق حياتهما وحياة آخرين بينهم الطفل ألان الكردي.
وشيعت زينب (12 عاما) وحيدر (ثمانية اعوام) اليوم في مدينة كربلاء بجنوب العراق. ووصل النعشان صباحا الى بغداد، بعد قرابة عشرة أيام من غرق المركب الذي كان ينقلهما من مدينة بودروم التركية باتجاه اليونان.
وأثارت صورة الطفل السوري الغريق ألان الكردي (ثلاثة أعوام) ممدا على وجهه عند شاطىء بودروم بعدما قذفه البحر، صدمة وتعاطفا عالميين، وتناقلتها كبريات الصحف ومواقع التواصل الاجتماعي. وسلطت الصورة الضوء على الأعداد المتزايدة لآلاف اللاجئين الذين يخاطرون بحياتهم في الأسابيع الماضية للانتقال إلى أوروبا بحثا عن حياة أفضل.
وكانت زينب عباس غادرت مع زوجها وأولادهما الثلاثة العراق جوا، نحو اسطنبول، لينتقلوا بعدها إلى مدينة بودروم الساحلية حيث أمضوا قرابة أسبوعين محاولين الاتفاق مع مهرب لنقلهم إلى اليونان.
وفي موقف السيارات المجاور لمطار بغداد الدولي، جلست عباس في المقعد الأمامي لسيارة أحد أقاربها، تنتظر وصول الجثمانين، متشحة بحجاب وعباءة سوداويين، وواضعة أمامها صورة لكل من زينب وحيدر.
وقالت وهي تتأمل الصورتين وتبكي “الناس كلها كانت تحكي بهذا الطريق (للهجرة). لهذا قررنا أن نطلع، لنوفر لهم حياة أفضل من هنا”.
وأضافت “والدهم مصاب بالسكري. قلنا نخرج لنؤمن لهم مستقبلا أفضل (…) خفنا عليهم. هنا لا يوجد أمان، لا توجد حقوق. قلنا نخلصهم”.
وتدفع أسباب عدة العراقيين للهجرة، منها تردي الأوضاع الأمنية والخدمات العامة والفساد والظروف الاقتصادية الصعبة. وعلى رغم أن الحكومة أعلنت في الأسابيع الماضية إجراءات إصلاحية على وقع تظاهرات شعبية، إلا أن العديد من العراقيين باتوا يائسين من مستقبلهم في البلاد.
وبحسب منظمة الهجرة الدولية، فان أكثر من تسعة آلاف عراقي عبروا إلى أوروبا من اليونان ما بين يناير وغشت 2015، ما يجعل منهم خامس اكبر مجموعة بحسب الجنسية.
إلا أن الرحلة البحرية محفوفة بالمخاطر والمشقات. وبحسب المنظمة نفسها، قضى أكثر من 2700 شخص في البحر المتوسط خلال هذه السنة، بينهم 315 من الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
ولم تكن رحلة زينب عباس وعائلتها والآخرين على القارب، أكثر يسرا.
فبعد أيام من الانتظار، قدم المهرب إلى العائلة بعيد الساعة العاشرة ليلا، بعدما كان يعدهم تكرارا منذ الصباح بقرب موعد المغادرة.
وقالت عباس “سألته (هل سنعبر على متن) يخت قال لا، أكثر أمانا من اليخت”، مشيرة إلى أنهم نقلوا إلى الشاطىء في سيارة بيضاء اللون قاد سائقها بسرعة طوال الطريق، محذرا الركاب مرارا من الشرطة.
وبعيد الوصول إلى الشاطىء، “انزلونا (المهربون ومعاونوهم) وأجلسونا” قرب البحر، قبل أن “يرموننا رميا في المركب”، بحسب عباس التي أكدت أن المهربين لم يقدموا للركاب العدد الكافي من سترات النجاة.
وبعد دقائق معدودة على الانطلاق، تعطل محرك المركب. وبعد إعادة تشغيله، بدأت المياه بالتسرب إليه، ليتابع ربانه الإبحار ويرتطم بموجة عالية قذفت بعض من كانوا على متنه في المياه، قبل أن ينقلب بالكامل.
وأدى انقلاب المركب إلى احتجاز زينب وحيدر أسفله، بحسب عباس.
وأضافت “كان المركب فوق رأسيهما يحول دون خروجهما. بقيت أتقلب في المياه. لمست يدها (طفلتها) يدي (…) صحت بأسماء أولادي لكن لم اسمع صوتهم”، وذلك قبل أن تبدأ بفقدان الوعي تدريجا.
وتابعت “لم أشعر سوى بالموج يقذفني خارج المركب المقلوب”.
وتمكن خفر السواحل التركي من إنقاذ عباس وزوجها وطفلتهما. وتسلمت العائلة الجثتين في اليوم التالي، في أحد مستشفيات بودروم.
وكان من بين الناجين عبد الله والد ألان، والذي كان أكد في اتصال هاتفي مع فرانس برس إن عائلة عراقية من خمسة أشخاص كانت على متن المركب نفسه، وإنها فقدت طفلين في حادث غرق المركب.
وفقد عبد الله في الحادث نفسه زوجته وشقيقا لألان يبلغ من العمر أربعة أعوام. وعاد عبد الله قبل ايام إلى مدينة كوباني (عين العرب) الكردية في شمال سوريا، حيث دفن عائلته.
أما حيدر وزينب فعادا الأربعاء برفقة والدهما، ووريا في الثرى في مدينة كربلاء المقدسة، بحضور جمع من الأقارب الذين بدا عليهم الحزن.
وكان الجثمانان وصلا صباح الأربعاء إلى مطار بغداد على متن رحلة للخطوط الجوية التركية، في نعشين خشبيين مغلفين بغطاء بلاستيكي. ونقل النعشان في شاحنة صغيرة من نوع “بيك اب” من مبنى المطار إلى موقف السيارات، حيث كانت عباس تنتظرهما شبه منهارة.
ورددت الوالدة وهي تجهش بالبكاء ورأسها على احد النعشين “أنا السبب (…) تمنيت لكما حياة كريمة وسعيدة، وها أنا اليوم استقبلكما في نعشين”.

Total
0
Shares
المنشورات ذات الصلة