لقد فاض الكأس وبلغ السيل الزُبى كما يقول العرب بعد أن تراكمت مختلف المشاكل المهنية والمالية والتنظيمية والإدارية والبيداغوجية طيلة سنوات منذ إحداث ما يُسمى ب «المعهد العالي لمهن السمعي البصري والسينما”.
كثير من الانتقادات التي طفت على السطح حاليا، وعبرت عن نفسها من داخل ذلك المعهد المشبوه، كنا قد عممناها في مختلف وسائل الإعلام والمنابر التي تعاونا معها، وكان الضحايا الطلبة بدورهم، في سنة 2016، قد خاضوا معارك احتجاجية ونضالية واعتصامات لإثارة انتباه الوزارة الوصية أولا (وزارة الاتصال في عهد الوزير السابق مصطفى الخلفي)، والرأي العام ثانيا، وبذلك أكدوا حينها مشروعية انتقاداتنا التي لم تكن تتوخى سوى تطوير المعهد دون خلفيات أو حسابات ما.
إن المثل الشعبي المغربي: “خارج من الخيمة عوج” ينطبق حرفيا على ذلك المعهد شكلا ومضمونا، وأنه خطأ سياسي وتاريخي واستراتيجي اقترفه الوزير السابق الذي أسرع في “إخراج المعهد إلى الوجود”، في ولادة قيصرية، ليغطي فشله في تحقيق “إنجازات” كان يطمح إليها، خاصة في الحقل التلفزيوني الذي لم يفلح في اختراقه فكان هروبه نحو الارتجال في مرافق أخرى. وقد يمكن أيضا أن يكون ذهب ضحية من استولى على “المشروع” وخطفه لصالحه، متمثلا في السيد محمد بلغوات، لكون أصل المشروع كان مطلبا للمهنيين السينمائيين المحترفين منذ أزيد من عقدين على ذلك، (للإشارة فإن المرة الأولى التي تمت فيه بمطالبة معهد سينمائي متخصص كان في أول مناظرة وطنية حول السينما إبان فعاليات المهرجان الوطني للفيلم بمكناس) حيث لم يكن حينها السيد بلغوات إلا “أستاذا” بمعهد الصحافة الذي يرفضه الطلبة الصحفيين الشباب، ويقاطعونه ويضربون ضده، وهو “الأستاذ” الوحيد الذي كان له هذا الوضع، ليتم بعد ذلك بسنوات إلحاقه بالإدارة المركزية لوزارة الاتصال.
والغريب في الأمر، يُوهم من فقد ذاكرته بأنه هو أصل المشروع وربه، إلى حد يعتبر “إسماك” ملكية خاصة !!! فتصرف ويتصرف فيه بدون رقيب، وبإيعاز من الوزير السابق، حيث وظف أناسا بدون احترام المسطرة المُنظمة للتوظيف، منها من تم رفضها رسميا من الجهات المختصة، واستقدم آخرين تملقا لهم في إطار “تعاون” أو لتبادل الخدمات، إلى حد أنه مارس نفس الخروقات بقبول طلبة بدون اجتياز امتحان الولوج كباقي زملائهم، وهلم جرا من الأمثلة التي قد نسوقها مستقبلا دعما لما ذكرناه منذ “افتتاح المعهد” (إننا نعتمد على وثائق موثقة تمكنا من الحصول عليها وليس مجرد كلام عابر).
تم الاستلاء على بناية المعهد سنة 2013 فاستوطنها رغم أنها لم تكن حينها قد حصلت على الرخصة من وزارة التعمير والإسكان، بسبب عدم احترامها لقواعد البناء و”أشياء أخرى”، فتم الالتفاف بأشكال ملتوية على الموضوع بكون سيتم استدراكها. ثم بدأت بعض الأشغال الوهمية تتم أثناء بداية “الدراسة”، ونقل الطلبة إلى مؤسسات تعليمية أخرى – كاستعارة – مثل معاهد التكوين المهني حتى يُقال بأن الدراسة قد انطلقت ولو في المريخ. كان ينقل أحيانا الطلبة إلى ورززات (لدينا وثائق لما تم صرفه في أحد الفنادق حينها بذر الرماد في عيون الطلبة). وعلى ذكر الإصلاحات بالمعهد، فقد تم إعادة رصيف المقابل للمدخل أكثر من مرة بادعاء وجود أشغال في انتظار “احتواء” المشكل، وهذه طريقة عتيقة جدا في “تمويه الأموال” التي لم تعد تنطلي على أحد في العقد الثاني من قرن 21.
لقد كان الفوج الأول من الطلبة الملتحقين بالمعهد مجرد عناصر الاختبار حيث عانوا غياب الاستقرار في مؤسسة واحدة، وتغير مستمر في البرامج والمناهج والأساتذة فغادر بعضهم المعهد قبل نهاية السنة حتى لا تضيع عنهم فرص أخرى أكثر جدية في التعليم. كان السيد المدير يبيع الوهم أكثر من العلم. وما ذكرنه هو اختصار كبير لملف كبير، وكبير جدا.
ماذا يحدث الآن فيما يسمى “إسماك”؟
لقد انتقل الحراك الشعبي الديموقراطي الحالي إلى ما يسمى “المعهد العالي لمهن السمعي البصري والسينما” أيضا. فقد انتفض مجموعة من الأساتذة بعد اكتشافهم، طيلة مدة عملهم، بوجود خلل كبير بهذه المؤسسة التعليمية التي لا تتوفر على حد أدنى من تنظيم إداري للسير العادي للمعهد بقدر ما يوجد على رأسها شخص واحد ووحيد يمارس كل الاختصاصات حتى يبقى متحكما في البناية ومصاريفها دون حسيب أو رقيب مكتفيا ببعض المقربين جدا (صهره مثلا) لبعض الأعمال الهامشية كأعوان فقط ليس إلا.
وهذا “المدير” لا يعير اهتماما مطلقا لمحتوى المعهد، يعني برنامج التدريس ومستوى الدروس، وماذا يُدرس؟ فهو باستمرار غائب لحضور المهرجانات وجميع اللقاءات بما فيها التي لم تعد من تخصصه، أو ليس له بها علاقة أصلا. وهذا الغياب الدائم يؤثر في السير العادي للمعهد بعرقلة كثير من القرارات والمتطلبات، لأنه هو صاحب القرار النهائي والموقع عليه، وكلما غاب تأجل كل شيء بالمعهد وهذا على حساب الطلبة، أبناء الشعب.
أسفاره إلى المهرجانات الدولية والوطنية لا تعود بالفائدة لصالح المعهد إطلاقا، وأجزم بذلك، اللهم لكي يرد “الجميل” باستدعاء “أصدقائه”. وهنا يطرح مشكل التبذير من ميزانية المعهد جراء تنقلاته (تذاكر الطائرات والفنادق و”الحفلات” فضلا عن تعويضاته الشخصية ولو أن الجهات الأخرى تتكفل بكل شيء لكنه يمررها في فاتورات وهمية يتم النفخ فيها.
حاول مجموعة من الأساتذة أصحاب الضمير المهني والعلمي إثارة انتباهه لتحمل مسؤوليته الإدارية كمدير للمعهد الذي لم يجد مكانه بعد أربع سنوات من انطلاقه.
ومعروف أن المعهد تم إنشاؤه بظهير رقم 2.12.109 بتاريخ 15 مارس 2012، وبدأت “الدراسة” به منذ موسم 2013/2014. وفي هذه السنة (2017) تنتهي رسميا مهمة المدير “المُعين” السيد بلغوات أو بالأحرى صلاحيته، ولم يبق له للتقاعد إلا سنتين، ومع ذلك فهو يصر على الاستمرار على رأس المعهد سنوات أخرى، ويتشبث عنوة به ضد القانون.
لقد حمل مجموعة من الأساتذة (من طاقم المعهد) في رسالة جماعية (موقعة بأسمائهم) إلى الوزير الجديد، والتي تتضمن مشروعا متكاملا، وفيها مطالبهم واقتراحاتهم لتطوير المعهد وتفعيله بعد تصحيح أخطائه السابقة بهيكلة إدارية المتعارف عليها في مؤسسات التعليم العالي.
ولحسن حظ الأساتذة، فقد تعامل الوزير الجديد -مع الرسالة – بجدية واحترافية بإعلان رسميا لمباراة مفتوحة أمام من يرى في نفسه أهلا لإدارة المعهد حسب الشروط التي وضعتها الوزارة. ولم تنفع تدخلات السيد بلغوات، كعادته، لوقف هذا القرار، ولم يفلح أيضا في احتواءاته المعروفة التي أكل عليها الدهر وشرب لأنه ينتمي بعقليته لتاريخ فاسد.
ورغم أنه لم يبق له سوى عامين للتقاعد، فقد علمنا أنه مازال يتجرأ لكي يقدم ملفه ويترشح للمباراة. وهو لا يترك الأمور تسير عادية بعد أن وضع ملفه كجميع المرشحين، ويترك النتيجة تعبر عن نفسها بروح ديموقراطية ورياضية، بل، كعادته دائما، لا يترك أي “منفذ” ولو صغير لكي يتسلل منه ليغلب كفته لصالحه في الاختبار، ليس اعتمادا على قدراته المهنية والعلمية بل يسعى إليها من خلال تدخلات مما يعني أنه لا يثق في نفسه بتاتا، أو ربما يعلم بأن المرشحين الآخرين أفضل منه إذا تم الاعتماد على لجنة علمية مستقلة وكفأة، ولا تنصاع لهذا أو ذاك.
فكيف سيتقدم هذا الشخص إلى مباراة وهو يعلم أن من الشروط المسطرة واضحة وهامة جدا؟ تتجلى في أن يقدم المترشح مشروعا متكاملا يمتد أربع (4) سنوات، وهو كالآتي: “… ويجب أن يبرز المشروع بصفة خاصة مقترحات الإنجاز والتجديد والملائمة التي من شأنها أن تحسن من حكامة وإشعاع المؤسسة، وانفتاحها على محيطها الاقتصادي والاجتماعي، والرفع من أدائها خلال مدة أربع (4) سنوات…” (أنظر إعلان الوزارة)، بينما السيد بلغوات سيغادر الوظيفة بعد سنتين فقط؟ فهل سيتم قبول ملفه من لدن الوزارة أم سيتم رفضه أصلا؟ (وهذا هو المنطق) لأنه لا تتوفر فيه شرط أساسي من الشروط التي وضعتها الوزارة، لأنه لا يمكن تمديد سنواته لما بعد التقاعد حتى ولو “نجح” في المباراة، إذ سيخلق بذلك إشكاليات قانونية للوزارة هي في غنى عنها من جهة، ولا يمكنها تجديد مباراة أخرى بعد سنتين من جهة ثانية، أما من جهة ثالثة فستكون الوزارة نفسها قد خرقت الشروط التي سطرتها بنفسها (واجي حلها يا لوحلتيها بعد ذلك يا وزارة الاتصال).
المحاسبة الآن لينطلق المعهد في سكة صحيحة (والمحاكمة أيضا)
إن المطلوب الآن، في هذا الظرف بالذات، هو محاسبة بلغوات لما اقترفه من خروقات إدارية ومالية، إما عمدا ضاربا بعرض الحائط جميع القوانين، وهذا خطير جدا في دولة تنادي بالشفافية، وإما أنه يجهلها فتكون كارثة عظمى التي ينبغي أن يُحاسب عليها الوزير السابق الذي “عين” شخصا جاهلا ودون مستوى المسؤولية التي أنيطت به، في أول تجربة مغربية للتعليم العالي في مهن السينما.
ولكي يرتقي بلغوات وتكن له المشروعية العلمية والأكاديمية، فهو كان قد امتحن نفسه بنفسه من خلال تعيين أصدقائه في لجنة المناقشة الصورية، والتي ينبغي الطعن فيها بدورها باعتبارها تحايلا وتزويرا يعاقب عليه القانون وسحبها منه ليعود أدراجه.
يتوهم السيد بلغوات، نظرا لقصر نظره ومستواه العلمي، أن كل من انتقده يسعى لمكان داخل “المعهد”. وبصفتي من الصحفيين والنقاد الذين تابعوا المعهد منذ كان مجرد فكرة مطلبية من السينمائيين إلى الآن، ثم من خلال بعض الأساتذة، ومن مر من هناك من السينمائيين، وحتى من بعض المؤسسات الأجنبية، سمحت لي بجمع تفاصيل التفاصيل مدعمة بالوثائق الورقية والتسجيلات الصوتية.
وتابعت أيضا مسار الأستاذ بلغوات في المعهد العالي للصحافة وفي وزارة الاتصال، فنحن الإثنين خطان متوازيان في الأصل والمبدأ والمسار، وبالتالي فليس لدي مصلحة شخصية أو ذاتية في المعهد، ولا أسعى لأخذ مكانه لأنني بعيد كل البعد بمسافة طويلة عن هذا الهدف.
وأنا لست مؤهلا أصلا للتدريس، لا أملك المؤهلات البيداغوجية للتدريس، وهي مهنة في غاية من الدقة التي أفتقدها، ولم يكن التدريس من طموحاتي أصلا، ولست شخصا إداريا لأنني لا أفقه في هذا العلم الذي لا يناسب شخصيتي التواقة، على الدوام، للحرية في التحرك والتنقل وضبط زمني حسب أجندتي، لذلك رفضت جميع المهن التي ستفرض علي توقيتا ميكانيكيا وتسجنني على كرسي طيلة اليوم والشهر والسنة في انتظار التقاعد (بالمناسبة لا تقاعد عندي). إن التدريس يا “أستاذ” بلغوات ليس مجرد تنشيط ندوة أو فيلم أو إدارة نقاش بل منظومة تربوية متكاملة ذات منهجية علمية مُهيكلة تعتمد على مجموعة من الخصائص لها أهلها وتقنيها، ف”رحم الله من عرف قدره”.
فليرتاح السيد بلغوات الذي يقوم بإسقاطات ذاته تنعكس شخصيته، وما يفكر فيه على كل من يتجرأ بالجهر بما يفكر فيه، إنه يعمم ويضع الجميع في قفة واحدة، ليتعلم – إذا أراد أن يتعلم – أن هناك استثناءات تخرق القاعدة وهذا لُب العلم وجوهره. وأن يتداوى من مرض “المؤامرة”.
20 يونيو: حراك ب «إسماك”
حددت وزارة الاتصال يوم 20 يونيو الحالي هو آخر أجل لاستقبال الملفات للمباراة، فأتمنى أن يسحب ملفه وينسحب حفاظا على “دم وجهه”، ويترك للشباب المؤهل أكثر منه لتلك المهمة و”كفى الله المؤمنين شر القتال”. ولا ينبغي أن ينسى بأن تاريخ 20 يونيو له دلالته الاحتجاجية في التاريخ القريب للمغرب (انتفاضة 20 يونيو سنة 1981) وتشاء الصدفة أن أساتذة المعهد اختاروا يوم 20 يونيو للبوح للرأي العام بكثير من التفاصيل في ندوة صحفية وهو اليوم الذي تنقضي فيه مهلة وضع الملفات.
أتمنى أن يكون الوزير الحالي محمد الأعرج أكثر يقظة لوضع حد للتلاعبات التي مست المعهد، وهو الذي أقدم على موقف مشرف بمراجعة الدعم في وزارة الثقافة.