العفو عن السجناء- مكارم ملكية ورئاسية بنكهة سياسية

العفو عن السجناء في المناسبات الدينية والحكومية في الدول العربية، أصبح تقليدا متبعا في المنطقة، إلا أنّ حقوقيين يرون أن هذا الأسلوب هو محاولة من الحكومات لتحقيق مكاسب سياسية معينة وجعل العفو مكرمة رئاسية أو ملكية.
بحلول عيد الفطر المقدس لدى المسلمين، أصدرت عدة دول عربية قرارت عفوٍ عن سجناء محكومين، في بادرة يعتبرها حقوقيون وناشطون خطوة سياسية بالدرجة الأولى، الهدف منها إضفاء شرعية على الحكومات العربية الموجودة وإضفاء بعض من مظاهر الرحمة عليها. وتكاد تصبح هذه الظاهرة تقليدا لدى الحكومات العربية، تقوم به في الأعياد والمناسبات الدينية والحكومية والقومية.

ويرى الحقوقي والناشط المغربي أحمد عصيد في حوار مع DWعربية أن الحكومات العربية تتبع هذا التقليد، وذلك “من أجل كسب مواقف سياسية، ومحاولة الحصول على  بعض من الشرعية أمام شعوبها، وظهورها بمظهر الرحيم، الحريص على مصالح الأمة، إلا أن هذه الخطوة لا تمت إلى الحقوق العدلية بصلة”، بحسب رأيه.
وقال الناشط المغربي “إن الملك بصفته الاعتبارية له الحق حسب الدستور بالعفو عن السجناء، أو تخفيض محكومتيهم. إلا أن الفساد المستشري في المغرب، يجعل من آليات الاختيار لا تلبي مطالب الموضوعية، والحياد، بل يجعلها تتركز في أيدي من لهم سطوة في المجتمع المغربي”. وأصدر الملك محمد السادس، بمناسبة عيد الفطر، أمره بالعفو على 562 شخصا ووفق بلاغ وزارة العدل والحريات “استفاد من العفو الملكي 374 سجينا.

إلى ذلك أثار إصدار الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي قرارا بالعفو عن 502 سجين بينهم 25 امرأة وشبان مدانون في قضايا تظاهر، من بينهم قيادي جماعة الإخوان وخطيب منصة رابعة عبد الله بركات-عميد كلية الدعوة الإسلامية الأسبق بجامعة الأزهر الجدل والذي يعد من أشد أنصار الرئيس المخلوع محمد مرسي. ودافع عبد الله بركات عن مرسي باستماتة على منصة رابعة، حيث ألقى عددا كبيرا من الخطب التي تأثر بها عناصر الإخوان في ذاك الوقت، حيث اعتصام رابعة لجماعة الإخوان، وتم القبض عليه في 14 يونيو/ حزيران 2014 في القضية المعروفة إعلاميا بقطع طريق قليوب.

ويرى الحقوقي والناشط في مجال حقوق الإنسان جورج اسحق في حوار مع DWعربية أن خطوة الرئيس السيسي جاءت “مفاجئة” بالإفراج عن عبدالله بركات ، إلا أنه تم الترحيب بها شعبيا من قبل البعض.  ويرى أسحق “أن الخطوة قانونية إلا أنها ليست حقوقية” بمعنى أن الدستور المصري أتاح للرئيس صلاحية العفو أو تخفيف عقوبة في بعض الحالات، إلا أن شروط المحاكمة العادلة من أجل إثبات الإدانة أو معايير العفو هي أمور غير واضحة”.

المعايير المعتمدة

وعن المعايير المعتمدة في العفو عن السجناء يرى مراقبون أنها تخضع لمعاملات الشد والجذب بين الحكومة والأطراف المستفيدة. ويوضح  الحقوقي والناشط المصري جمال عيد في حوار مع DWعربية أن المعايير المتبعة عادة في  اختيار المفرج عنهم تكون غير واضحة في أغلب الأحيان، إذ أن الأمور المعلنة تحدد الموافقة الأمنية بالإضافة إلى حسن السيرة والسلوك أثناء السجن. وهو أمر لو طبقناه على السجناء لحصلنا على الآلاف من المساجين، إلا أن القائمة الموجودة تبين وجود معايير أخرى غير معلنة، لا توضح كيفية الإفراج عن هؤلاء المساجين.

وقال عيد” من الواضح أن إطلاق سراح عبد الله بركات القيادي في حركة الأخوان، جاء من أجل تخفيف الاحتقان الشعبي الموجود داخل مصر منذ عزل الرئيس مرسي”. كما يوضح الحقوقي المغربي عصيد أنه في حالات كثيرة تبين وجود رشاوى تقدم للجان المختصة الخاصة بتقديم الأسماء المقترحة للملك، ما يؤدي إلى خروج أناس لهم ماض جنائي أو متورطين بجرائم. ويعودون إلى جرائمهم فور خروجهم وهو ما يؤدي إلى انتفاء المنفعة المعول عليها من خروج السجناء.
غياب العدالة في الاختيار

وأصدرت دول عربية أخرى بالإضافة إلى مصر والمغرب قرارت عفو عن سجناء بمناسبة عيد الفطر، ففي سوريا أفرجت الحكومة السورية، عن 672 سجينا من بينهم معتقلون سياسيون قبيل حلول عيد الفطر. ونقلت وكالة الأنباء السورية (سانا) عن وزير العدل السوري هشام الشعّار قوله إن المعتقلين الذين أفرج عن معظمهم من سجن دمشق المركزي المعروف بـ “سجن عدرا” من بينهم 91 امرأة. ولم يذكر الوزير تفاصيل حول القضايا التي كانوا محبوسين على ذمتها. وأضاف الشعار أن الإفراج الجماعي يهدف إلى تعزيز “المصالحة الوطنية” في البلاد التي مزقتها الحرب، وفي تونس أصدر رئيس الجمهورية الباجي قايد السبسي عفوا خاصا بمناسبة عيد الفطر وذلك لفائدة 196 من السجناء والسجينات وفق بلاغ صادر عن رئاسة الجمهورية. وأوضح البلاغ أن العفو الخاص شمل سجناء محكوم عليهم في جرائم استهلاك مخدرات من المبتدئين وفي جرائم تتعلق بالصكوك كما شمل العفو سجناء من ذوي الإعاقة إلى جانب نساء مسجونات.

المتفحص لهذه اللائحة كما يقول جمال عيد يدرك بسهولة أن الحكومات العربية تقوم بسياسة الكيل بمكيالين في قضية العفو عن السجناء، فهي بدلا من محاولة إصلاح الخطأ بمنع تقييد الحريات واعتقال المخالفين سياسيا، تقوم بالتحفظ بالغالب على المسجونين السياسيين، وتفرج عن أصحاب الجرائم مما يؤدي إلى ضياع الحقوق العامة، وقال عيد “أغلب الإفراجات تظهر وكأنها مكرمة ملكية أو رئاسية وذلك من أجل تحقيق مكاسب سياسية”.
ناشطون سياسيون خلف القضبان

وبالرغم من العفو عن العديد من السجناء في العالم العربي، إلا أن القائمة خلت  تقريبا من نشطاء سياسيين وقفوا أمام الحكام العرب، وخالفوهم سياسيا، إذ أن البحرين ما تزال متمسكة بعدم الإفراج عن نشطاء من الاقلية الشيعية مثل المعارض البحريني عبد الهادي الخواجة على سبيل المثال، في حين يرزح رائف بدوي ووليد أبو الخير في السجون السعودية، دون أية بوادر راهنة من أجل العفو عنهم . كما أن الرئيس المخلوع محمد مرسي ما يزال مسجونا في مصر،  في حين تعتقل الإمارات منذ شهر مارس الماضي الناشط الحقوقي أحمد منصور بتهمة الترويج لأفكار مغرضة.
وأصيب الرأي العام المغربي بخيبة أمل كبيرة بعدما لم يشمل العفو الملكي معتقلي حراك الريف، حيث لم تشمل القائمة الملكية أي من هؤلاء الناشطين. إلا أن عصيد أكد أن الموقوفين ما يزالون رهن الاعتقال والتحقيق ولم تصدر بحقهم أحكاما نهائية، وهو ما أدى إلى استثنائهم. وتوقع الحقوقي المغربي أن يشمل بعضا من معتقلي حراك الريف العفو السنوي المتوقع في شهر يوليو/ تموز المقبل، وذلك بمناسبة عيد العرش في المغرب.

من جانبه، ينبه الحقوقي المصري اسحق إلى “استفادة الحكومات العربية من موضوع الإفراجات من أجل كسب مواقف معينة، فمثلا نسبة كبيرة من المفرج عنهم  هم من العساكر المدانين بمخالفات وليس المدنيين كما يقول، وهو ما تحاول الحكومة المصرية مثلا الاستفادة منه من أجل فرض سيطرة العسكر”.  ويتابع “أيضا فإن الشرطة تحاول التفاوض مع بعض المسجونين من أجل الحصول على معلومات معينة وذلك من أجل وضع أسمائهم في قائمة المفرج عنهم”.  ويرى الحقوقي المصري أنّ دولا عربية أخرى تسعى الى تخفيض النفقات، وذلك بتخلصها بشكل دوري من بعض السجناء دون الالتفات إلى المصلحة الشعبية”.

Total
0
Shares
المنشورات ذات الصلة