“فتاة الحافلة” شجرة تخفي غابة من المآسي

انتشر فيديو صادم لمحاولة اغتصاب فتاة في حافلة بالدار البيضاء. الشرطة قبضت على المشتبه بهم. لكن ما الذي دفع هؤلاء لهذا الفعل المشين؟ وما واجب الدولة نحوهم. DW عربية ذهبت إلى البرنوصي بالدار البيضاء لتكتشف مآسي خلف القصة.


أفاد موقع مغربي أن الشرطة القضائية، قررت اليوم الأربعاء إحالة القاصرين الستة، الموقوفين على خلفية محاولة اغتصاب فتاة داخل حافلة للنقل العمومي في الدار البيضاء، على النيابة العامة، وأنه سيتم تقديمهم بالمحكمة غدا الخميس. علماً بأن أعمارهم تتراوح بين 15 و 17 سنة، وينحدرون جميعا من حي مباركة بالبرنوصي بالبيضاء، حسب الموقع. وتم اعتقالهم أول أمس الاثنين بعد انتشار فيديو الجريمة بمواقع التواصل الاجتماعي.

وقامت DW عربية بزيارة البرنوصي، وبمجرد وصولنا إلى الحي بنواحي مدينة الدار البيضاء، كان أول مشهد نراه هو تجمعات لشباب مراهقين ووقوفهم مستندين إلى حائط يتعاطون المخدرات. ويقول أحدهم: “هذه حياتنا وهنا نعيش لا عمل ولا دراسة، فقط المخدرات”.

الكذب من أجل العلاج

الفتاة “إ”، تعيش في منزل فقير رفقة والدها، الذي يبيع النعناع بحي البرنوصي، وقد سبق وأن تعرضت لحادثة اغتصاب أسفرت عن انجابها لطفل. وسألنا أحد الأقارب، في الحي بخصوص تناقل بعض المواقع الالكترونية المغربية لخبر إصابة “إ” بمرض فقدان المناعة المكتسبة “السيدا/ الإيدز”، فرد قائلا: “اضطررنا لنقول إنها مريضة بـ”السيدا” عندما رفضت إحدى المستشفيات المغربية استقبالها وعلاجها حين كانت مصابة بمرض جلدي كان يتسبب لها في نزيف”. واستنكر أحد الشباب الحديث عن أنها “فتاة الحافلة” وتساءل “لماذا لا يتركونها في حالها ويكفون عن نشر هذه الاخبار الزائفة”.


من الضحية إذن؟

إن لم تكن “إ” هي ضحية الاغتصاب؛ فأين هي الضحية؟ ولماذا لم تقدم شكاية إلى رجال الأمن، خاصة وأن مقطع الفيديو مضى عليه أزيد من ثلاثة أشهر؟ حسب ما قالت الشرطة. ومن تكون فتاة الفيديو؟ وهل هي حقا كما يزعم أبناء الحي كانت من منطقة أخرى تدخن مع الشباب وتزورهم؟ أم أنها لا تجمعها بهم أية صلة؟ وهل كانت فقط تركب الحافلة وتعرضت للحادث، وبعد ذلك اختارت الاختفاء وعدم تقديم شكايتها خوفا من العار؟، حسب تصريح أحد أبناء الحي.

كل تلك الأسئلة السابقة ترددت على مسامعنا ونحن نتجول ونستمع لشهادات السكان في “المعاجيز” بحي بالبرنوصي، هذا الحي الذي تمتزج فيه الجريمة والفقر بالتهميش لتشكل لنا لوحة من البؤس والحرمان وجيلا من المدمنين على المخدرات.

موقع “شوف تيفي” نشر فيديو لسيدة قالت إنها والدة الفتاة “ز”، وأن ابنتها هي “فتاة الحافلة”، التي تعرضت لمحاولة الاغتصاب. وأفادت السيدة في الفيديو أن والد الفتاة متوفٍ، وأن ابنتها تترك المنزل وتخرج، غير عاقلة لما تفعله. لكن لم يتسنَ لـDW عربية التأكد من صحة الفيديو، وما جاء فيه من معلومات.
في بيوت المشتبه بهم

عودة إلى حي البرنوصي، انتقلنا إلى منزل عائلة الطفل “أ”، أحد المشتبه بهم في حادث الاغتصاب، كان منزلا مليئا بنساء الحي والأقارب، جميعهم جاؤوا لدعم العائلة والوقوف إلى جانبها. تقول أخت المشتبه به: “أخي مراهق كباقي شباب الحي كان تحت تأثير المخدرات ولا يمكننا أن نلومه فهي من تلام؛ لأنها كانت معهم وصديقتهم وترتدي ملابسا فاضحة”.

يعيش “أ” مع جدته بعد أن انفصلت والدته عن والده. ترك مقاعد المدرسة خلال مرحلة الابتدائي، وتقول أخته: “أخي ضحية المجتمع فلا جمعيات ولا مؤسسات اهتمت به بعد أن ترك مقاعد المدرسة”، معتبرة أنه من الطبيعي أن يدمن على المخدرات وحبوب الهلوسة في ظل غياب من يدعمهم .
تشير جدة الطفل “أ” إلى أن والدته بعد الحادث اتصلت بالأب لكي يحمل معها عبء المسؤولية، لكنه رفض ذلك وأغلق عليها الخط، وتأمل العائلة أن يتم الافراج عن طفلهم، معتبرين أن سجنه سيزيد من انحرافه .

بعد ذلك انتقلنا إلى منزل “ر”، أحد المشتبه بهم في حادث الحافلة، ويسكن مع والده ووالدته، وحذرتنا إحدى الجارات من طرق الباب؛ لأن والدته مصابة بمرض عقلي، ومع الوضع الذي يعيشه ابنها صارت حالتها النفسية أكثر سوءً، لكنا طرقنا الباب غير أن أحداً لم يفتح.

أمهات مدانات؟

انتقلنا إلى ولاية أمن المعارف، حيث كانت الأمهات تجلسن على الرصيف، منتظرات وقت ادخال الطعام لأبنائهن. لا وجود هنا لرجل، فقط النساء هن من ينتظرن موعد زيارة أبناءهن. وخلال جلوسنا مع الأمهات تقول خالة “أس”، أحد المشتبه بهم في حادث الاغتصاب: “لا توجد ضحية ولم تضع شكايتها لحدود الساعة فلماذا تتم محاسبتهم؟”

“أس” مراهق يبلغ من العمر خمسة عشر سنة، لم يكمل دراسته، ربته خالته بعد وفاة والدته عندما كان لايزال طفلا. والده يعيش الآن في إيطاليا، وهو مصاب بمرض مزمن وطريح الفراش، وتقول ابنة خالة “أس”: “لم نخبر والده بالحادث لقد خفنا من أن يتفاقم وضعه صحي”.

وتنتقد الأمهات إدانتهن من طرف الرأي العام وتحميلهن مسؤولية ما ارتكبه أطفالهن، كما اعتبرن أن أصابع الاتهام ينبغي أن توجه لمن يسمح بتجارة المخدرات في الأحياء الشعبية.

مسؤولية الدولة

في ظل غياب الأب، يتساءل أحمد صويري، ناشط حقوقي، أين هي الدولة والمؤسسات؟ ولماذا لا يتم الاهتمام بالأطفال ورعايتهم وتوجيهم لتفادي رؤية مثل هذه المشاهد “الوحشية”؟

واعتبر الناشط الحقوقي أن انتشار المخدرات في حي البرنوصي هي السبب الرئيسي في تنامي مثل هذه السلوكيات، داعيا إلى ضرورة توفير مراكز اجتماعية وفضاءات رياضية  لكي يمضي المراهقون أوقات فراغهم.

شباب آخر في حي البرنوصي بالدار البيضاء يحتاجون إلى اهتمام الدولة حتى يعيشوا حياة طبيعية
وأوضح الصويري أنه في ظل غياب متنفس للأطفال وعدم وجود مراكز للاهتمام بهم “فإننا بذلك نترك مجالا لمروجي المخدرات لتدمير شبابنا”، وأضاف إن “أغلب المشاركين في حادثة الاغتصاب قاصرين ينحدرون من أسر فقيرة وتعاني من التفكك الأسري”. وأكد الصويري “هنا من واجب الدولة بمؤسساتها أن تحمي هؤلاء الأطفال من الضياع عوضا من أن تقدم مؤسسات التنشئة الاجتماعية استقالتها وتترك الباب مفتوح لتجار المخدرات”.

Total
0
Shares
المنشورات ذات الصلة