على الرغم من علمي المسبق بما سترد به كتائب بن عبد الله على ما كتبه المناضل في حزب التقدم والاشتراكية يوسف مكوري في مقاله النقدي لبلاغ الديوان السياسي لحزبه على خلفية القرار الملكي القاضي وزيرين من الحزب والغضب على وزير آخر سابق وهي بالمناسبة ردود لن تخرج عن نطاق ما هو شخصي، فإنني من خارج هذا الحزب الذي أحترم تاريخه، أرى بان مقال مكوري لامس الصواب في الكثير من الأفكار الواردة فيه، سيما، ما يتعلق منها بسيطرة القيادة الحالية على الحزب وتمدد التيار الانتهازي فيه بشكل ملفت للنظر خلال السنوات الأخيرة.
تاريخيا لا يمكن لعاقل أن ينكر بأن حزب التقدم والاشتراكية الذي يعد من أعرق الأحزاب اليسارية في البلاد مند تجربة الحزب الشيوعي الذي سيتم حله من طرف الملك محمد الخامس مرورا بمرحلة العودة مع تجربة التحرر والاشتراكية. كما أن هذا الحزب مرت منه قيادات تاريخية كانت لها إسهامات فكرية وسياسية كبرى مثل علي يعته وعزيز بلال واخرين لن تنمحي أسمائهم من الذاكرة السياسية الوطنية.
لكن وبعيدا عن منطق المزايدة الرخيصة يمكن القول وبدون تردد أن حزب التقدم والاشتراكية أصبح اليوم رهينة لقيادة سياسية انتهازية تركت مبادئ الحزب وقيمه التاريخية جانبا وأصبحت تبحث لنفسها عم التموقع في الحكومة بأي وسيلة كانت حتى وإن كان ذلك التموقع على حساب المرجعية الفكرية والاديلوجية للحزب الذي أدى إلى جانب القوى التقدمية في البلاد ثمن اختياراته المذهبية ومواقفه السياسية.
وحتى لا يتهمنا أحدا بالتجني على القيادة الحالية التي قال فيها يوسف مكوري ما يستحق القول فقد تابع المغاربة كيف أنه في عز الحراك الريفي فوضت القيادة الحزبية للوزير السابق وعضو الديوان السياسي للحزب خالد الناصري حضور ماسمي بلقاء أحزاب الأغلبية الحكومية في بيت رئيس الحكومة سعد الدين العثماني للتوقيع على بيان بلاغ بئيس اتهم نشطاء الحراك الريفي بتهم تلفيقية اتضح فيما بعد أنها غير صحيحة ولم تكن إلا من نسج خيال عقل سلطوي مريض ولا يؤمن بالتغيير ومتشبع بثقافة الضبط والتحكم والنعمة المقصودة هي تهمة الانفصال وخدمة الأجندات الخارجية.
لكن مع كل ذلك شاءت الأقدار أن يبعد وزراء الحزب من الحكومة بقرار ملكي بسبب مسؤوليتهم التقصيرية في تأدية المهام المنوطة بهم بخصوص المشروع الملكي ” الحسيمة منارة المتوسط” دون أن يصدر أي قرار ينفي او يؤكد ما نسب إلى بنكيران من قول يذهب إلى حد الادعاء بأن رئيس الحكومة وباقي الوزراء الذين وقعوا على الاتفاقيات في حضرة الملك لم يكن لهم اي علم بخصوص هذا المشروع ولا باتفاقياته التي هرولوا للتوقيع عليها!!!
واقعة إعفاء وزراء حزب التقدم والاشتراكية تحتمل تأويلات سياسية كثيرة ويمكن مناقشتها دستوريا من زوايا متعددة غير أن المهم بالنسبة للحزب خلال هذه المرحلة هو مراجعة الذات وإعادة النظر في مساره السياسي بحس نقدي مسؤول وأخد العبر مما حدث ومما يمكن أن يحدث له في المستقبل مادام أنه يرى نفسه مستهذفا عوض الاستمرار على نفس الخط الانتهازي.
إعفاء وزراء الحزب رسالة على أن الوزن السياسي الذي أعطي لهم داخل الحكومة بعد انتخابات 2011 وانتخابات 7 أكتوبر أكبر من حجمهم الانتخابي وأن السياق الذي فرض ذلك لم يعد هو سياق اليوم.
مرحلة عبد الإله بنكيران الذي اقتات منها الحزب حكوميا انتهت بلا رجعة مند ازاحته من رئاسة الحكومة وتعويضه برفيق دربه سعد الدين العثماني.
من هذا المنطلق إذا كان حزب التقدم والاشتراكية يعتقد أن وضعه السياسي في ظل مرحلة سعد الدين العثماني سيكون أفضل فهو مخطئ لأن هذا الأخير يتمنى في قرارة نفسه أن يتجه التقدم والاشتراكية في اتجاه الانسحاب من الحكومة لأنه بحسه البراغماتي رفقة رفاقه في الحزب الذين يقودون الآن معركة شرسة ضد امينهم العام عبد الإله بنكيران لقطع طريق الولاية الثالثة على رأس الحزب عليه يفهم أن التقدم والاشتراكية لم يعد مرغوبا فيه وأن استئناف مشاوراته معه لملأ الحقائب الوزارية الشاغرة إجراء سياسي لا أقل ولا أكثر.
المتتبعون للشأن السياسي لاحظوا كيف أن حلفاء الأمس ابتلعوا ألسنتهم بما في ذلك بنكيران نفسه وكيف أن القيادي في حركة الإصلاح والتوحيد احمد الريسوني ثمن قرار الإعفاء بل وتمنى أن يكون بداية لتفعيل ربط المسؤولية بالمحاسبة للقضاء على الفساد مما يعني أنهم ضد استمرار التحالف مع التقدم والاشتراكية!!
هناك سيناريوهات متعددة امام حزب التقدم والاشتراكية من ضمنها الاستمرار في الحكومة من خلال الدفع باستوزار مولاي اسماعيل العلوي وخالد الناصري من باب “المكافأة” لكن المطلوب الآن هو إعلان قرار الانسحاب من الحكومة لانه من غير المنطقي أن تتم الإشادة بعمل وزراء الحزب المعفيين والمغضوب عليهم بما يفيد صراحة عدم الرضى على القرار الملكي وفي نفس الوقت قبول الاستمرار في الحكومة!!