مستقبل زعامة بن كيران يثير انقساما بين إسلاميي حزب “العدالة”

لم يفرض عبد الإله بن كيران نفسه داخل حزبه الإسلامي فقط، بل استطاع تحقيق شعبية كبيرة بالمغرب تؤكدها مؤشرات عديدة.. فهل يتحوّل إلى الزعيم “الأوحد” لحزب العدالة والتنمية في ظرفية صعبة يعيشها الحزب والمغرب بشكل عام؟
يتفق الكثير من المراقبين في المغرب على أن حزب العدالة والتنمية يعيش واقعا صعبا لم يعهده منذ سنوات، بدأ بشكل جليّ منذ إعفاء الملك محمد السادس لعبد الإله بن كيران، الأمين العام للحزب، من رئاسة الحكومة، واستمرت أزمة الحزب مع التجاذبات الحاصلة  حول إمكانية تمديد ولاية بن كيران على رأس الحزب، وما رافق ذلك من تصريحات وتصريحات مضادة، بيّنت أن حزب “المصباح”( رمز الحزب) مُقبل على امتحان عسير سيؤثر لا محالة على مساره السياسي.

فرغم أن الحزب لا يزال يرأس الحكومة من خلال سعد الدين العثماني، إلّا أنه خرج منكسرا من تكوينها بعد إبعاد بن كيران، إثر رفض هذا الأخير الانقياد لشروط أربعة أحزاب أصّرت إما أن تدخل جميعها للحكومة أو لا تدخل، ثم ما رافق هذا الإبعاد من تشكيل حكومة لم يرضَ عنها الكثير من أعضاء “العدالة والتنمية”، واستفحل الوضع أكثر إثر النقاش الحامي حول موضوع أساسي: هل يشهد المؤتمر المقبل، المقرّر نهاية هذا العام، انتخاب  بن كيران للمرة الثالثة تواليا، حتى يستمر في منصبه إلى غاية 2021؟

في منتصف شهر أكتوبر الحالي، صوّتت لجنة المساطر(الإجراءات) والأنظمة داخل الحزب على تعديل المادة 16 من النظام الداخلي للحزب، التي كانت تنص على تحديد ولايتين فقط للأمين العام للحزب وكذلك لرئيس المجلس الوطني( بمثابة برلمان الحزب)، إذ اختارت غالبية الأعضاء إضافة ولاية ثالثة للمنصبين، ممّا اعتُبر تعديلا على المقاس لبن كيران، تأكيدا من التيار المتعاطف معه على نفوذه الكبير داخل الحزب، وكذلك نوعا من إعادة الاعتبار له بعد إعفائه من رئاسة الحكومة، لكن هذا التعديل لم يمر بشكل هادئ، علما أن بن كيران، الذي يوجد على رأس الحزب منذ عام 2008، استفاد عام 2016 من تمديد ولايته الثانية سنة إضافية.

عندما يخرج الخلاف إلى العلن

جاءت تدوينة مصطفى الرميد، وزير الدولة المكلّف بحقوق الإنسان، وأحد أبرز قياديي الحزب، لتؤكد هذا الخلاف، عندما كتب الرميد أن بن كيران أظهر نفسه في أحد خطاباته المناضل الأقوى داخل الحزب خلال انتخابات 2011، مستصغرا بذلك جهود الآخرين، خاصة الرميد الذي ذهب حينئذ للحج. وقال المتحدث في تدوينته متوجها إلى بن كيران: “إنني أتساءل حقيقة، هل كنت ستقول الذي قلته لو ناصرت التمديد لولاية ثالثة، وأنت تعرف في هذا رأيي المبدئي، والذي سبق أن بسطته عليك تفصيلا منذ حوالي سنتين”.
التصريحات لم تتوقف عند هذا الحد، فعزيز الرباح، وزير الطاقة والمعادن، أكد في حوار صحفي، رفضه التمديد لابن كيران، متحدثا عن أن قرارا من هذا النوع لا يناسب الحزب. موقف جاء ضمن ما يسميه الإعلام المغربي بـ”تيار الوزراء”، أي أن أغلب وزراء الحزب حاليا يتفقون على الرأي ذاته، وهو نفس ما سار إليه أحمد الريسوني، الوجه البارز داخل حركة التوحيد والإصلاح، الذراع الدعوي للحزب، إذ أكد هو الآخر أنه ضد ولاية ثالثة لابن كيران، متحدثا عن أنه يرفض رهن الأحزاب بالأشخاص.

غير أنه في مواجهة الرافضين، هناك عدد من المؤيدين للولاية الثالثة، من بينهم، القيادي عبد العالي حامي الدين، الذي صرّح لـDW عربية: “قيادة الحزب ليست بحاجة إلى بن كيران لأن الحزب يتوفر على قيادات مؤهلة لقيادته وتدبير شؤونه، لكن الوطن ومشروع البناء الديموقراطي في هذه المرحلة بحاجة إلى بن كيران، خصوصا بعد تحليل النتائج السياسية لما بعد (انتخابات)7 أكتوبر2016، وكيف جرى الانقلاب عليها لفائدة القوى التي عاقبها الشعب”. موقف حامي الدين تتقاسمه قيادات أخرى كأمينة ماء العينين التي لا تخفي تعاطفها الكبير مع بن كيران،  بالإضافة إلى قطاع مهم من شباب الحزب.
ينطلق المتعاطفون مع بن كيران من قناعات متعددة، منها مثلا أن إضافة ولاية جديدة لا يعني خلق أسطورة حول “الزعيم”، بل هي ضرروة تمليها قدرة الشخص على تحمل المسؤولية وثقة الآخرين به كما عليه الحال بأنغيلا ميركل التي تستمر في منصبها على رأس الاتحاد الديمقراطي المسيحي منذ عام 2000، كما قد يكون هناك تأثرا بتجربة “إسلامي” آخر، هو رجب طيب أردوغان الذي عدّل دستور تركيا حتى يعزز صلاحياته الرئاسية ويستمر في تدبيره للشأن العام كما فعل خلال ثلاث ولايات من رئاسته للحكومة، لكن في المقابل، لا يحفل تاريخ المنطقة العربية بنماذج مشرقة من التمديد، خاصة مع أمثلة حسني مبارك وعبد العزيز بوتفليقة.
مستقبل الحزب على المحك

يرى المحلل السياسي المغربي، إدريس الكنبوري، أن الاتجاه نحو الولاية الثالثة سيقضي على النموذج الديمقراطي الذي كان حزب العدالة والتنمية يرّوجه في مواجهة الأحزاب الأخرى، إذ كان يقدم نفسه باعتباره الأكثر انضباطا للقوانين الداخلية وليس للأشخاص، ويأتي هذا التطوّر في سياق تحديات سياسية يشهدها المغرب وانتقادات متعددة تطال الأحزاب. كما أن حكومة العثماني ستدفع ثمن الصراع الواقع في الحزب، يُردف الكنبوري، لأن نجاحها يبقى إيجابيا بالنسبة للحزب، والعكس صحيح، بعيدا عن محاولة قياديين تبني خطاب المعارضة ظنا منهم أن ذلك سيخدم صورة الحزب لدى المتلقي.
ويعترف الكنبوري، في تصريحات لـDW عربية، أن بن كيران يملك فضلا كبيرا على الحزب وعلى الكثير من القياديين داخله منذ البدايات الصعبة للإسلاميين في المعترك السياسي وصراعهم لأجل العمل الحزبي، مرورا بتصدّر الانتخابات التشريعية مرتين متتاليتين، لكن فضل ابن كيران على الحزب لا يعني تحويله إلى أسطورة:”طال الوقت أو قصر، سيرحل بن كيران، وعلى الحزب الاستعداد على الدوام للمرحلة التي ستلي مغادرته لمنصب الأمانة العامة”.

وحتمًا سيجد حزب العدالة نفسه في تحدٍ صعب، لأنه لا يتوّفر حاليا على بروفايل( وجه كاريزمي) قادر على تعويض بن كيران بالعناد ذاته الذي ميّز هذا الأخير ومن ذلك قدرته الدخول في الصراع مع الخصوم، وفي هذا الإطار يتحدث الكنبوري: “خلق بن كيران غداة رئاسته للحكومة خطابا شعبويا عفويا بشكل لم يعهده المغاربة مع أيّ رئيس حكومة آخر، فكانت نتيجة ذلك أن ارتهن الحزب به”.

وللخروج من هذه المعادلة الصعبة يرى الخبير المغربي أن السبيل الأفضل هو “اختيار أمين عام جديد بغرض تحقيق الإجماع وتسيير الحزب انطلاقا من القوانين، بدل الإصرار على خليفة يحمل مواصفات بن كيران”.

في غضون ذلك يستمر الجدل داخل الحزب الإسلامي المغربي إلى حين انعقاد مؤتمره الحاسم في مستقبله.

إسماعيل عزام

Total
0
Shares
المنشورات ذات الصلة