اختارت المجلة المغربية الصادرة باللغة الفرنسية Version Homme أن تمنح غلافها لعدد نوفمبر 2017 للنجم المغربي سعد المجرد المتهم في قضية اغتصاب شهيرة وصل صداها الشرق والغرب.
المناسبة، منح المغني المعروف حوارا حصريا للمجلة المذكورة أياما قليلة بعد فيديو نشرته الضحية المفترضة، لورا بريول، على يوتوب، تحكي فيه تفاصيل ماجرى في تلك الليلة المشؤومة وتطلب، بالأساس، شهادة ضحايا مفترضين للمغني (الذي نؤكد أن المحكمة لم تدنه بعد)، عملا بالهاشتاغ الشهير balancetonporc# أو MeToo# .
لكن ماذا يعني أن تمنح مجلة غلافها لشخصية متهمة بالاغتصاب، وبالعنف ضد امرأة؟ أو بلغة القانون لمتابع بتهمة “الاغتصاب المشدد” و”ممارسة العنف”.
دعونا نستعين بحكاية من الجارة فرنسا.
في شهر أكتوبر الماضي، خصصت المجلة الفرنسية les inrocks غلافها للمغني الفرنسي بيرتران كونطا فقامت الدنيا وما قعدت، لأن كونطا مغني الفرقة الشهيرة noir desir عنف صديقته النجمة ماري ترانتينيون، ابنة الممثل جون لوي ترانتينيون والمخرجة نادين ترانتينوين وضربها حتى الموت، في 1 غشت 2003 وحكم عليه حينها ب 8 سنوات سجنا نافدا.
وإذا كانت المجلة الفرنسية ردت على منتقديها بعد صدور العدد، بأنها تمارس الصحافة التي تتخطى في بعض الأحيان الخطوط الحمراء فإن المجلة المغربية لم تتخط خطوطا تذكر، بل قدمت حوارا فارغا ومهلهلا لا يليق حتى بمجلة مراهقين، ومنحت متهما بالاغتصاب صفحات بيضاء ليردد خزعبلاته المعتادة عن اعطيه العصير، وطفولته الجميلة، وعلاقته بوالديه، ومعاناته في السجن، ورحلته الأمريكية دون الحديث عن قضية الاغتصاب الأولى في بلاد العم سام… ما يعني أنها تعاملت معه كشخصية عادية، بل باعته صفحة إشهارية لاستجداء التعاطف وتلميع الصورة، كما تبيع فضاء إعلانيا للجبن أو العطر والحفاظات.
اعتذرت المجلة الفرنسية في نهاية الأمر، واعتبرت تخصيص الغلاف للمغني القاتل خطأ وسوء تقدير من هيأة التحرير. لكن زميلتها المغربية لم تعتذر أو تشعر بتأنيب ضمير. ولم تفكر لحظة أنها منحت للمغاربة صورة ملائكية عن متهم باغتصاب وعنف ضد النساء لأكثر من مرة في مجتمع ذكوري تكشف الإحصائيات واقعه المزري والكئيب:
أرقام المندوبية السامية للتخطيط تقول إنه في سنة 2009 تعرضت ما يناهز 2,3 مليون امرأة من أصل 5,7 مليون، أي ما يعادل 40,6 في المائة، في فضاء عام بمدينتهم، لفعل واحد على الأقل، يصنف ضمن أفعال العنف. وأشارت المندوبية إلى أن معدل انتشار العنف الخاص بانتهاك الحرية الفردية للمرأة أو العنف الجنسي غير المقرون بانتهاك حرمة جسدها بلغا، على التوالي، 4,5 في المائة (427 ألف ضحية) و 3,9 في المائة (372 ألف ضحية).
المجلة نسيت هذه الأرقام المفزعة التي يمكن الاطلاع عليها بسهولة على الانترنت، والتي تؤكد الانتشار المهول للعنف ضد النساء بشتى أنواعه. أي أن عرض متهم وهو على غلاف مجلة، مبتسم، وبلوك آخر موضة، يجري حوارا في الفندق الباذخ جورج 5 في شان زيليزيه غير بعيد عن فندق ماريوت شان زيليزيه، مكان الجريمة المفترضة، هو تطبيع مع هذه النوعية المقيتة من الجرائم وفيه انعدام احترام كبير لفئة واسعة من النساء وللضحية أولا وأخيرا. وكأنه يخرج لسانه من جديد ليقول “و مربحتي والو والو”.
إن التطبيع اليوم مع سعد المجرد، المتهم الذي لم تثبت بعد براءته، هو تطبيع مع أشياء أكبر وأخطر.
لن نعطي الكلمة لسعد المجرد لأننا لا ننحني لدكتاتورية العواطف والانتماء.. لن نعطي الكلمة لسعد المجرد لأننا في صف الضحية حتى يثبت العكس. وحري بالنجم الكبير أن يقنع القضاء الفرنسي قبل أن يقنع المغاربة الذين أحبوه بعفوية كبيرة. فالترافع مكانه المحكمة وليس صفحات المجلات الملونة.
المغني الفرنسي حكمت عليه المحكمة ب ثماني سنوات !
سعد المجرد متهم .. و المتهم برئ حتى تتبث إدانته .. المقارنة في غير محلها