مصرع “الراقص على رؤوس الأفاعي” يؤّجج تعقيدات المشهد اليمني

تعقدت اللعبة السياسية في اليمن بمقتل صالح. فبين استفادة الحوثيين من إزاحة عدوٍ كان صديقاً، وبين خسارة التحالف العربي لصديق كان عدواً، يظهر المشهد اليمني متشابكاً بشكل لن يعجل بنهاية الحرب وإنهاء مأساة اليمنيين.
دخلت الأحداث في اليمن منعطفاً جديداً بمقتل الرئيس اليمني المخلوع علي عبد الله صالح، اليوم الاثنين (04 ديسمبر 2017) على يد الحوثيين، الذين اغتالوا من كان إلى أمس قريب شريكهم في وجه التحالف بقيادة السعودية.

اغتيال صالح كان مفاجئاً الآن، إذ لا تزال المواجهات بين قواته وقوات الحوثيين في بدايتها، كما أن الاغتيال جاء بعد يومين من دعوته السعودية إلى فتح صفحة جديدة معلناً نهاية تحالفه مع الحوثيين.

لم يكن صالح شخصية عادية في اليمن، بل كان “ضميراً مستتراً في كل الحروب التي شهدتها اليمن منذ عام 1972 إلى غاية مصرعه”، الكلام هنا للصحافي اليمني المخضرم، عبد الباري طاهر، الذي تابع في حديثه لـDW عربية، أن مقتل صالح سيكون أمراً مؤثراً للغاية في مستقبل اليمن، بما أن الحياة العسكرية والسياسية في البلاد خلت من واحد من أهم أركانها. وينطلق طاهر في حديثه من سمات كثيرة اشتُهر بها صالح، فقد عُرف بتعدّد علاقاته السياسية مع أكثر من طرف، لدرجة أنه قد يكون حليفاً لدولة ما، وفي الوقت ذاته يكون مناوئاً لها.

علي عبدالله صالح طبع الحياة السياسية لليمن منذ وصوله إلى رئاسة “اليمن الشمالي” عام 1978، ثم استمراره رئيساً لليمن الموّحد عام 1990، إلى غاية تنحيه عن الرئاسة عام 2012. ومن شأن مقتله الآن أن يؤدي إلى تغييرات كبيرة في البلاد. فبدلاً من المواجهة الرئيسية بين قوات صالح والحوثيين من جهة، وقوات الحكومة المعترف بها دوليا برئاسة هادي من جهة ثانية، قد تتحوّل المواجهة الآن بين قوات صالح والحوثيين إلى الأكثر شراسةً من أجل السيطرة على صنعاء. وهو تحوّلٌ يَظْهَرُ من الناحية النظرية مفيداً لقوات الحكومة المعترف بها دولياً وللتحالف العربي، خاصة مع استحضار إمكانية تقارب قوات صالح من هذا المعسكر؛ لكن من الناحية الميدانية، هناك توقعات بأن تتقوى أكثر شوكة الحوثيين.

نهاية زواج المتعة

باستثناء “زواج المتعة”، الذي جمع حزب المؤتمر الشعبي العام، بجماعة “أنصار الله” منذ الاستيلاء على صنعاء في أيلول/ سبتمبر 2014، لم تعرف علاقة الطرفين الكثير من الود. فقد كانت القوات اليمنية الحكومية، لمّا كان صالح رئيساً، تشن هجمات متتالية على الحوثيين، من نتائجها مقتل مؤسس جماعتهم، حسين الحوثي عام 2004. لذلك كان الحوثيون من بين المساهمين في إسقاط نظام صالح، الذي تنحى عن الحكم عام 2012، بعد ضغط شعبي ودولي مقابل حصوله على الحصانة.
رغم التعاون بين الطرفين لمواجهة حكومة هادي ومعه قوات التحالف العربي بقيادة السعودية، إلّا أن التراشق بينهما كان يتصاعد من حين لآخر. ومن عناوينه ما جرى في أغسطس/ آب 2017 من تراشق إعلامي إبّان ذكرى تأسيس حزب المؤتمر الشعبي بصنعاء، وما تبع ذلك من اشتباكات دامية بين الطرفين، هدأت لفترات، قبل أن تبلغ مداها نهاية نوفمبر/تشرين الثاني، عندما قُتل العشرات من الجانبين، في مواجهة عنوانها السيطرة على صنعاء. وتشير الأنباء الواردة من المدينة حالياً أن الكفة مالت لصالح الحوثيين في معاركهم ضد قوات صالح، التي فقدت عدة أحياء مهمة.

الخلاف بين الطرفين يعود إلى ما قبل دعوة صالح للسعودية والإمارات، السبت الماضي، رفع الحصار مقابل استعداده لفتح صفحة جدية معهما. فقد تبادل صالح والحوثيون اتهامات بعدم الوفاء لروح الاتفاق بينهما وبالمسؤولية عن سوء الأوضاع الاجتماعية، زيادة على اتهام الحوثيين لصالح بـ”الغدر”، بما أنه وصفهم بالميليشيا. التحالف بين الاثنين كان هشاً والخلافات كانت متعددة، لذلك لم يكن غريباً أن يعلّق عبد الملك الحوثي، زعيم حركة أنصار الله، على مقتل صالح، الذي اشتُهر بلقب “الراقص على رؤوس الأفاعي، بأنه يوم تاريخي.

“خسارة للتحالف العربي”

يقول عبد الباري عطوان، رئيس تحرير جريدة رأي اليوم، إن الخاسر الأكبر من مقتل علي عبد الله صالح هو التحالف العربي، الذي تتزعمه السعودية، لسبب بسيط هو أنه “لو استمر صالح في توجهه، الذي أعلن عنه مؤخراً بفتح صفحة جديدة مع التحالف العربي، كانة كفة الحرب في اليمن سترجح لصالح السعودية، ممّا سيتيح إنهاء الحرب”. ويتابع عطوان أن صالحاً كان يتمتع بشعبية كبيرة في اليمن، ولديه قدرة هائلة على الحشد، وبالتالي فتحالفه مع السعودية كانت سيؤدي إلى تغيير معادلة القوة في الساحة اليمنية، خاصة وأن السعودية نجحت في رهانها الأول، أي شق التحالف الذي كان صالح قد أقامه مع الحوثيين.
ويمضي عطوان في تحليله لـDW عربية أن الحوثيين هم الرابح الأكبر من اغتيال صالح لعدة أسباب، أوّلها أن الطلاق بينهم وبين صالح كان نهائيا؛ بحيث لم تكن هنالك إمكانية للتراجع عنه، وبالتالي فقد تحوّل صالح إلى خصم بالنسبة للحوثيين ينبغي إزاحته. ثانيها أن الساحة الداخلية خلت تقريباً أمام الحوثيين، فأضحوا الأقوى أمام مختلف خصومهم.

ويتفق الصحفي اليمني عبد الباري طاهر، مع مقولة أن اغتيال علي عبدالله صالح، سيشكّل من الناحية السياسية خسارة كبيرة للتحالف الذي تقوده السعودية، لكن على الصعيد الميداني، توجد الكثير من العوائق، التي قد تحول دون استثمار الحوثيين إزاحة صالح. “قد يسيطر الحوثيون من الناحية العسكرية على صنعاء، لكن إحكام سيطرتهم السياسية على المدينة سيكون أمراً صعباً”، يقول طاهر، موضحاً: “العقل السياسي للحوثيين ضعيف وإحكام القبضة على صنعاء يتطلب تفكيراً سياسياً مُحكماً، لأن الرهان على البندقية لن يحسم الأمور، فكل الأطراف التي راهنت على الحسم العسكري لم تنجح”.

استفادة هادي وتفكّك المؤتمر

يرى عبد الباري طاهر أن الاحتمال الأقرب إلى التحقق هو أن تستفيد قوات حكومة هادي من مقتل صالح ومن الشرخ الحاصل بين حزب المؤتمر والحوثيين للاستفادة من الوضع أكثر، ويقول: “صحيح أن الحوثيين ينظرون الآن إلى إزاحة صالح على أنه أمر إيجابي يتيح لهم المزيد من التمدد في عدة مناطق، لكن على المدى البعيد، فقدان صالح سيؤثر سلباً على الحياة العسكرية للحوثيين. إذ سيفتقدون عقلاً فاعلاً في الميدان، كانت لديه الكثير من الامتدادات العسكرية والسياسية والقبلية”.
ويبقى أكبر الخاسرين بشكل واضح هو حزب المؤتمر، الذي كان يقوده صالح، وحول هذا المعطى يعلّق عطوان بالقول: “كان الحزب مرتبطاً بشكل كبير بصالح، زيادة على أن مقتل قياديين مع هذا الأخير في عملية الاغتيال يجعل الحزب حالياً مفتقراً إلى قيادة تجمعه”.

ويتوقع عطوان أن يضعف الحزب كثيراً وأن تزيد الانشقاقات داخله، كما يتوقع أن يؤدي مقتل صالح إلى زيادة وطيس الحرب في اليمن، بل ربما تتحوّل الحرب بالبلد إلى حرب أهلية بين حزب المؤتمر وقوات الحوثيين، ممّا سيوّرط قوات التحالف العربي أكثر في النزاع اليمني.

لكن في المقابل، لا يتوّقع طاهر أن يكون حزب المؤتمر قادراً على مجابهة الحوثيين بعد رحيل صالح، فـ”الحرب الداخلية همشت الحياة السياسية، وأبرزت جلياً ضُعف الأحزاب، وكان حزب المؤتمر الأكثر بلاءً”، يقول طاهر، الذي اتفق مع عطوان في أن حزب المؤتمر كان حزب سلطة يلتف حول صالح، وبمقتل هذا الأخير، سيزيد انقسام الحزب، وسيتوزع أعضاؤه بين العديد من الأطراف داخل اليمن.

وإجمالاً، لا يبدو أن الحرب في اليمن ستضع أوزارها، فمقتل صالح لا يحسم على الأرض أيّ شيء، خاصة مع تصعيد الحوثييين للهجتهم تجاه السعودية، التي لا ترغب في قوة عسكرية مدعومة من إيران قرب حدودها. كما أن استمرار التجاذب في الجنوب اليمني بين أطراف متعددة من بينها الإمارات، يزيد من ضبابية المشهد في اليمن، الذي بات منذ 2011 ساحة صراع مسلّح، كانت من أكبر نتائجه مقتل الآلاف، وانتشار وباء الكوليرا، ومعاناة الملايين من الجوع، واقتراب البلاد من “أسوأ أزمة إنسانية في العالم”، حسب الأمم المتحدة.

Total
0
Shares
المنشورات ذات الصلة