قد يكون الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل الخطوة الأولى لتنفيذ خطة “السلام” الأمريكية الجديدة للشرق الأوسط، والتي أطلق عليها ترامب “الصفقة النهائية”. ما هي هذه الخطة، التي قد تشكل انتكاسات أخرى للفلسطينيين؟
ربما يشكل تأخير الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، من قبل الرئيس الأمريكي ليومين، حيث كان من المقرر أن يقوم بذلك يوم الاثنين الماضي، مؤشراً لمدى تردد إدارة ترامب في اتخاذ قرار كهذا، لاقى رفضاً دولياً وإقليمياً، حتى قبل الإعلان عنه بأيام.
لكن هذه الخطوة ليست سوى بداية لتنفيذ خطة أكبر، تحدث عنها ترامب في عدة مناسبات ووصفها بـ”الصفقة النهائية”، وذلك من أجل حل “قضية الشرق الأوسط” (القضية الفلسطينية)، والتي بدونها لا يمكن التركيز على قضايا أخرى، مثل وضع حد لطموحات إيران النووية، ومواجهة الإيديولوجيات المتطرفة، كما قال مستشار ترامب للشرق الأوسط وصهره، جاريد كوشنر، المعروف بعلاقاته الشخصية مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، كما أن عائلة كوشنر اليهودية قامت بالتبرع بملايين الدولارات لبناء المستوطنات الإسرائيلية، بحسب ما ذكرت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية.
وعن خطة ترامب قال كوشنر في منتدى “حاييم صبان”، الذي يحمل اسم ملياردير اسرائيلي أمريكي معروف بدعمه لإسرائيل، إن كلاً من الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني على علم بما تم مناقشته معهما، وأضاف: “عليكم أن تركزوا على حل القضية الكبرى. إن الحركة الديناميكية الإقليمية تلعب دوراً كبيراً في ما نعتبره فرصا، لأن (…) عددا كبيرا من هذه البلدان يسعى إلى فرص اقتصادية والسلام لشعوبها”.
وقد يقصد كوشنر بحديثه هذا، السعودية، المتمثلة بولي العهد محمد بن سلمان، الذي تربطه به علاقات متينة. فولي العهد الشاب يحاول القيام بـ”إصلاحات” فكرية واقتصادية في المملكة، ويحاول الاقتراب أكثر من إسرائيل لمواجهة المد الإيراني في المنطقة، حيث يحقق حلفاء طهران انتصارات في لبنان واليمن، ليس من آخرها مقتل علي عبدالله صالح بعد محاولته فك ارتباطه مع الحوثيين. كما تراجع قبل ذلك سعد الحريري عن استقالته، التي قدمها من الرياض بضغط سعودي، على الأرجح.
الاعتراف بفلسطين دون القدس؟
ويحاول بن سلمان أن يلعب دور الوسيط في القضية الفلسطينية، فبعد حوالي أسبوعين من زيارة كوشنر له في أواخر تشرين الأول/أكتوبر، اجتمع مع رئيس السلطة الفلسطينية في الرياض، وعرض عليه خطة ترامب، بحسب صحيفة نيويورك تايمز نقلاً عن مسؤولين فلسطينيين ولبنانيين.
وأضافت أن الخطة -التي لم يتم الإعلان عنها بشكل رسمي وقال مسؤول أمريكي عنها إنها لم تكتمل بعد- تتضمن أن تعترف الولايات المتحدة بدولة فلسطينية تضم أجزاءً متقطعة من الضفة الغربية، وبدون القدس الشرقية، لتكون فيها بلدة أبوديس التي يفصلها جدار عازل عن القدس، عاصمة لفلسطين. كما تتضمن الخطة موافقة الطرف الفلسطيني على بقاء العديد من المستوطنات الإسرائيلية التي كانت الأمم المتحدة قد طالبت بإيقاف بنائها و”إلغاء التدابير المتخذة لتغيير وضع مدينة القدس” في عدة قرارات.
وبالإضافة إلى ذلك تتضمن الخطة تنازل الفلسطينيين عن حق العودة. وبحسب ما ذكرته الصحيفة، فإن محمد بن سلمان أعطى مهلة شهرين للرئيس الفلسطيني لقبول العرض وإلا فسيكون على عباس تقديم استقالته ليفتح مجالاً أمام شخص بديل. كما أفاد بعض المسؤولين، القريبين من لقاء بن سلمان مع عباس، أن ولي العهد السعودي حاول إغراء رئيس السلطة الفلسطينية من خلال تقديم مبالغ مالية للفلسطينيين مقابل الموافقة على الخطة، وهو ما رفضه الأخير، بحسب الصحيفة الأمريكية.
إشاعات وأخبار زائفة؟
ورغم نفي هذه الأنباء من قبل مسؤولين أمريكيين وفلسطينيين وسعوديين، ووصفها بالإشاعات، إلا أن مسؤولين “رفيعين” آخرين أكدوا لصحيفة نيويورك تايمز وجود مثل هذه الخطة. حيث نفى المتحدث باسم الرئاسة الفلسطينية نبيل ردينة الروايات حول مقترحات السعودية في اجتماع الرياض بين بن سلمان ومحمود عباس ووصفها بأنها “أخبار زائفة”، مؤكداً أن الفلسطينيين لا يزالون ينتظرون اقتراحاً رسمياً من الولايات المتحدة.
من جانبه قال السفير السعودي في الولايات المتحدة الأمير خالد بن سلمان إن “المملكة لا تزال ملتزمة بالتوصل إلى تسوية، تقوم على مبادرة السلام العربية عام 2002 بما فيها أن القدس الشرقية عاصمة لدولة فلسطينية على حدود 1967”. وأضاف السفير السعودي “اقتراح أي شيء ما عدا هذا هو خاطئ”.
ورغم النفي، إلا أن النقاط الأساسية للمقترح السعودي، المقدم لرئيس السلطة الفلسطينية “تم تأكيدها من قبل العديد من الناس، الذين كانوا على اطلاع على النقاشات، التي جرت بين عباس والأمير محمد، ومن بينهم : حسن يوسف، المسؤول البارز في حماس (والناطق باسمها في الضفة الغربية)، بالإضافة إلى عدة مسؤولين غربيين، ومسؤول رفيع من حركة فتح، ومسؤول فلسطيني في لبنان، ومسؤول لبناني رفيع، وسياسي لبناني، بالإضافة إلى آخرين”، بحسب الصحيفة الأمريكية.
حسن يوسف، الناطق باسم حماس والنائب في المجلس التشريعي الفلسطيني، أكد من جهته لنيويورك تايمز وجود مثل هذه الخطة وقال: “إذا كانت القيادة الفلسطينية ستقبل أياً مما سبق فإن الشعب الفلسطيني لن يسمح لها بالبقاء”.