أثارت حادثة التدافع التي تعد واحدة من أسوأ الكوارث في موسم الحج منذ 25 عاما، تساؤلات حول اهتمام الحكومة السعودية بإجراءات سلامة الحجاج، رغم مليارات الدولارات التي توظفها المملكة لتحسين ظروف الحج.
وأدى التدافع، أمس الخميس 24 شتنبر 2015، إلى مصرع أكثر من 700 شخص، خلال رمي الجمرات، الذي يشارك فيه مئات آلاف الحجاج المسلمين من جميع أنحاء العالم.
وهذه ثاني كارثة، خلال أسبوعين هذا العام، بعد مقتل 109 أشخاص في سقوط رافعة في الحرم المكي.
ويعد هذان أول حادثين خطيرين يشهدهما موسم الحج منذ تسع سنوات، إلا أن انتقادات تشير إلى عيوب في إدارة موسم الحج، الذي يستقطب سنويا نحو مليوني حاج.
يقول عرفان العلوي، الذي ينتقد تطوير الحرم المكي، إن المشاكل تكمن في عدم ضبط الحشود، واستراتيجية الحكومة للتطوير. وقال “حاولوا تحسين المرافق، ولكنهم يخفقون دائما في منح الأولوية للصحة والسلامة” ويركزون على التطوير.
وأضاف العلوي، مدير مؤسسة أبحاث التراث الإسلامي، التي مقرها لندن، أن مشاريع التطوير تمسح روابط ملموسة بالنبي محمد. وردا على سؤال عن الأسباب الأساسية لمثل هذه الكوارث قال “السبب هو الإدارة”.
وأعلن مدير الشؤون الدينية في تركيا عن فقدان 18 حاجا تركيا، بعد الكارثة، وألقى بالمسؤولية على “مشاكل خطيرة في الإدارة” في مكة المكرمة.
واتهمت إيران السعودية بارتكاب أخطاء في ضمان أمن الحجاج، تسببت بالتدافع الذي أودى بحياة أكثر من 700 شخص أثناء مناسك الحج في منى، من بينهم نحو تسعين إيرانيا على الأقل.
فقد انتقد المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية أية الله علي خامنئي ما وصفه بـ”الإجراءات غير الملائمة”، التي تسببت في حادث التدافع.
ونقلت وكالة الأنباء الإيرانية عن خامنئي قوله إن “على الحكومة السعودية أن تتحمل مسؤوليتها الثقيلة في هذا الحادث المرير”
وصرح رئيس منظمة الحج والزيارة في إيران سعيد اوحدي للتلفزيون الإيراني أن “حادث اليوم (أمس الخميس) نتيجة سوء إدارة، وانعدام الجدية في التعامل مع أمن الحجاج. لا تفسير آخر لذلك. ينبغي تحميل المسؤولين السعوديين المسؤولية”.
وحتى قبل وقوع كارثة الخميس في منى القريبة من مكة المكرمة، اشتكى الحجاج من الوضع.
وقال حاج سوداني في منى، وقت وقوع الحادث، إن موسم العام هو الأقل تنظيما من بين أربعة مواسم سابقة حج أدى خلالها فريضة الحج. وأضاف أن “الناس يعانون من الجفاف ويغيبون عن الوعي”.
وأضاف “أنهم يتعثرون ببعضهم البعض” مضيفا أن رفيقه السعودي حذره من أن “شيئا ما سيحدث”.
والأربعاء، وعندما بلغ الحج ذروته، بالصعود إلى جبل عرفات، على بعد كيلومترات قليلة من منى، اشتكى الحاج اليمني محمد المخلافي (54 عاما) من “انعدام التنظيم”.
بينما قال الحاج التونسي أبو سليم (58 عاما) إن “المواصلات سيئة، والسكن سيء، والطعام سيء للغاية (…)، رغم أننا دفعنا حوالي أربعة آلاف دولار (3603 يورو) للحضور إلى هنا”.
وقالت وزارة الداخلية السعودية إنها نشرت مائة ألف شرطي، لضمان أمن الحجاج، وضمان لسلامة وإدارة حركة المرور، والحشود.
وكلف رجال الشرطة بحماية نحو مليوني حاج في المناطق المكتظة.
إلا أن العلوي قال إن هؤلاء الجنود ليست لديهم مهارات لغوية، ولم يتلقوا التدريب المناسب، “وليس لديهم أي معرفة بكيفية إدارة هؤلاء الناس”.
وأعلن وزير الصحة السعودي، خالد الفالح، أن التدافع مرده عدم التزام بعض الحجاج بالتعليمات.
وصرح الفالح لقناة الإخبارية الرسمية “لو التزم الكل بالتعليمات لما حصلت مثل هذه الحوادث”، وذلك بعد توجهه إلى مكان الحادث. وأضاف “الكثير من الحجاج يخرج في خارج موعد التفويج، وهذا هو العامل الرئيسي”، وراء مثل هذه الحوادث، معلنا تعبئة لإسعاف الجرحى ومعالجتهم.
ووقعت مأساة الخميس أمام جسر الجمرات، المؤلف من خمسة طوابق، والذي بني في العقد الماضي، وزادت كلفته عن مليار دولار، وكان يهدف إلى تحسين السلامة.
وبين 1994 و2006 وقعت أربعة حوادث تدافع خلال رمي الجمرات قتل خلالهما أكثر من ألف شخص.
ويمتد الجسر المؤلف من خمسة طوابق، لمسافة كيلومتر، ويسمح لنحو 300 ألف حاج في الساعة برجم الجمرات.
وقال العلوي “يجب أن يكون لديهم نظام لضبط الحشود، بحيث يتحكمون في عدد الأشخاص الذين يدخلون، والذين يخرجون” مشيرا إلى أن مباريات الركبي، وكرة القدم يحكمها نظام أفضل لضبط الحشود.
ومن بين الإجراءات الأمنية التي اتخذت، خلال السنوات القليلة الماضية، بناء قطار ينقل الحجاج، ونصب خيام مضادة للحريق، لإيواء الحجاج في منى.
وفي مطلع سبتمبر، عندما سقطت رافعة وأودت بحياة نحو 109 أشخاص، في الحرم المكي، تجاهل الحجاج الحادث.
ويقول المحللون إن الحادث أزعج الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز بشكل كبير، ودفعه إلى اتخاذ تحرك سريع، ضد الشركة المقاولة، التي جرى وقفها عن العمل.
وتم تجنب كارثة أخرى لاحقا عندما اندلع حريقان في فندقان للحجاج. وأصيب ستة حجاج في حريقين منفصلين، أجبرا نحو 2500 حاج على الخروج من أماكن إقامتهم.