سيطرت على الأجندة السياسية في اليونان ومختلف عناوين وسائل الإعلام خلال الأيام الأخيرة فضيحة فساد كبرى بطلها عملاق الأدوية السويسري (نوفارتيس)، وما لا يقل عن عشرة وزراء سابقين متهمون، إلى جانب الآلاف من الأطقم الصحية من القطاعين العام والخاص، بتقاسم ما بين 40 و60 مليون أورو لتيسير هيمنة الشركة على سوق الصحة في البلاد.
وأحالت المدعية العامة المكلفة بقضايا الفساد إيليني تولوباكي، التي تقول إنها توصلت لأدلة دامغة تفيد بخيانة الأمانة والقسم والرشوة والفساد، القضية على البرلمان باعتبار أن وثائق الادعاء توجه اتهامات لوزيرين أولين سابقين ولثمانية وزراء خلال الفترة ما بين 2005 و2015.
ووفقا لقوانين البلاد، يتعين في حالة ظهور اسم وزير في ملف قضائي الرجوع للبرلمان، ليقرر ما إذا كان سيبدأ تحقيقا جنائيا أوليا بشأن الدور المحتمل للسياسي المعني أم يعيد القضية إلى القضاء.
وبالموازاة مع ذلك ،قالت السلطات القضائية إن المدعية العامة تواصل تحرياتها في ملف منفصل حول عمليات تبييض أموال من طرف المسؤولين المعنيين على صلة برشاوي (نوفارتيس).
ووفق ما ذكرت صحيفة (تو فيما)، أمس الخميس، فإن هناك ستة شهود أساسيين في القضية خاضعون للحماية القضائية، جميعهم يونانيون موظفون سابقون في الشركة السويسرية.
وأضافت أن ثلاثة منهمين حصلوا أيضا على الحماية القضائية بالولايات المتحدة ،وقدموا أدلة الى السلطات في البلدين، بما أن القضية جاري التحقيق فيها أيضا من طرف الشرطة الفيدرالية الامريكية.
واتهمت المعارضة اليونانية الحكومة اليسارية، بقيادة تسيبراس، باستعمال القضاء للسعي لتصفية خصومها، معتبرة أن هذا الملف مجرد مزايدة سياسية، ومحاولة صرف للأنظار عن الفشل الحكومي في الملفات ذات الأولوية، بما أن السياسيين العشرة المعنيين هم أسماء وازنة في الحكومات السابقة، من قبيل رئيس الوزراء السابق، أنطونيو سامارانش، وديميتريس أفرامبولرس، المفوض الأوربي الحالي في الهجرة، وإيفينجلوس فنيزلوس، وزير الخارجية، وزعيم الحزب الاشتراكي السابق، ثم يانيس ستورناراس، المحافظ الحالي للبنك المركزي اليوناني.
ونفى السياسيون المعنيون أية صلة لهم بالملف أو أية دراية بسوق الأدوية أو أي علاقة لهم بالقطاع، فيما قال رئيس الوزراء السابق سامارانس إنه سيرفع دعوى قضائية لرد الاعتبار، وصرح المفوض الأوربي في الهجرة أنه سيعقد اجتماعا مع المفوضية لشرح موقفه وإبعاد أي تهم عنه.
وحسب وسائل الإعلام المحلية، فإن وزراء وكبار المسؤولين في الدولة حصلوا على رشاوي من نحو 40 مليون أورو لتسهيل مختلف العمليات التجارية لنوفارتيس، سواء تعلق الأمر بصفقات التلقيحات أو تجهيزات المستشفيات ومختلف الخدمات ذات الصلة بالقطاع الصحي، فيما سهل آلاف الأطباء تداول أدوية الشركة على حساب أخرى.
ومن بين المتهمين أيضا في الملف 30 مسؤولا من كتاب عامين وأعضاء باللجان الإدارية للمستشفيات ومستشارين طبيين ومسؤولين في مؤسسات عمومية، هذا علاوة على آلاف الأطباء من القطاعين العام والخاص ،الذين توصولوا بحصتهم من كعكة (نوفارتيس).
وفي الإجمالي ذكرت وسائل الإعلام اليونانية أن ما بين 50 و60 مليون أورو دفعت كرشاوي، كان يتوصل بها المعنيون نقدا في حقائب.
وقدر تقرير نشرته صحيفة (إيثنوس) الخسائر، التي مني بها القطاع الصحي في البلاد جراء عملية الفساد الواسعة تلك، بـ 23 مليار أورو خلال الفترة ما يبين 2000 و2015.
وخلال تلك الفترة بالذات مثلت نفقات قطاع الصحة في اليونان ثلاثة أضعاف المعدل الأوربي، وهو رقم يعكس التبذير أكثر ما يعكس تحسنا في الخدمات.
واعتبر التقرير أنه بهذا المبلغ كان بإمكان الدولة، الغارقة في الديون وسياسة التقشف، أداء الأجور ومعاشات المتقاعدين لسنتين.
ومن جهة أخرى، طالبت وسائل الإعلام السياسيين بترك القضاء لوحده يقول كلمته في الملف، و:تبرئة الأسماء التي قد تكون أقحمت بشكل غير عادل في القضية”.
وقالت صحيفة (تو فيما) إنه “لا توجد حالة تتطلب الاستغلال السياسي، كما لا تتوضح فصول أي فضيحة عندما تصبح موضوعا للنزاعات السياسية، وعندما تستخدم مجالا للاتهامات المتبادلة، بل على النقيض من ذلك، فإن مثل هذه التطورات تعوق جوهر المسألة، كما تعطي للمواطنين الانطباع بأن الفساد ليس مسألة أفراد معزولين، بل هو معمم، ويسود في كل مكان”.