يعيش حزب ( بوديموس ) منذ عدة أيام على وقع أزمة داخلية تثير أسئلة أخلاقية وتنذر بمخاطر تقويض ثقة مؤيدي هذا الحزب في كل القيم المناهضة للرأسمالية التي أسس عليها خطابه السياسي كحزب يمثل اليسار المتطرف بقناعاته ومواقفه الفكرية .
وقد تفجرت هذه الأزمة بعد قيام بابلو إيغليسياس، الأمين العام للحزب، ورفيقته، إريني مونتيرو، الناطقة الرسمية باسم الحزب بمجلس النواب، بشراء إقامة عبارة عن فيلا فخمة ضواحي مدريد بسعر يتجاوز 600 ألف أورو .
فمباشرة بعد أن كشفت وسائل الإعلام عن هذه المعلومة انطلقت سهام النقد من جميع الاتجاهات حتى داخل أوساط هذا الحزب اتجاه الزعيمين خاصة من طرف وجوه وقياديين مقربين من إيغليسياس ومونتيرو اعتبروا أنهما ” تبنيا نمط حياة يتعارض ويتناقض بالمطلق مع ذاك الذي يدافع عنه مناضلو ومؤيدو هذا الحزب الذي خرج من رحم الرافضين ” .
وكان هذا هو موقف عمدة مدينة ( قاديس ) خوصي ماريا غونزاليس الذي أكد دون أن يشير صراحة إلى موضوع اقتناء الفيلا أن ” مدونة الأخلاق لدى حزب بوديموس ليست مجرد قضية شكلية”.
وقال ماريا غونزاليس في بيان له ” نحن ملتزمون بالعيش كأشخاص بسطاء حتى نتمكن من تمثيل هي الشريحة في المؤسسات وهو ما يفرض علينا التخلي عن الامتيازات مثل الأجور المرتفعة أو غيرها”.
ويؤاخذ العديد من مناضلي ونشطاء حزب ( بوديموس ) الزعيمين بسبب ” عدم توقعهما للضرر السياسي الذي قد ينتج عن قرارهما اتجاه صورة الحزب ومكانته خاصة عبر تقويض كل الأعمال التي قام بها الحزب منذ إنشائه وكذا جهوده في مجال معارضة ورفض والتنديد بعدم المساواة الاجتماعية وبالامتيازات الطبقية ” .
وقد جاءت أشد الانتقادات وقعا تلك التي صدرت عبر شبكات التواصل الاجتماعي حيث تحدث أصحاب هذه الانتقادات عن ” نفاق وتناقض ” الأمين العام لحزب (بوديموس) مذكرين بتصريحاته خلال عام 2012 عندما انتقد أحد أعضاء الحزب الشعبي الذي دفع 600 ألف اورو من أجل اقتناء إقامة فاخرة .
وأمام ارتفاع حدة الجدل حول شراء (الفيلا) من طرف قائدي الحزب اضطر هؤلاء إلى التحرك، عبر تنظيم مؤتمر صحفي، حاولا خلاله تبرير اختيارهما بأنه جاء بناء على ” رغبتهما في الحصول ولو على القليل من الخصوصية من أجل تربية التوأمين اللذين ينتظران خروجهما إلى الوجود ” مضيفين أنهما قاما باقتراض مبلغ مالي يقدر ب 540 ألف أورو على مدى 30 سنة من أجل شراء هذه الإقامة التي تقع بضواحي مدريد العاصمة .
وقال إيغليسياس في محاولة للدفاع عن نفسه ” نحن نعلم أن العديد من العائلات الإسبانية حتى مع توفرها على راتبين لا يمكنها أن تتحمل تكاليف مثل هذا القرض ” مؤكدا ” لهذا السبب من الأهمية بمكان بالنسبة لنا أن ندافع عن الأجور التي تضمن الحياة الكريمة ” .
ولم يقف المسؤولان عن الحزب عند هذا الأمر بل سارعا إلى دعوة مناضلي الحزب الذين يقدر عددهم بحوالي 500 ألف شخص من أجل التصويت خلال الفترة ما بين الثلاثاء إلى يوم الأحد المقبل حول ما إذا كانا سيحتفظان بمنصبي الأمين العام للحزب والناطقة الرسمية باسمه بمجلس النواب أو عليهما المغادرة والتخلي عن هذه المسؤوليات .
وأكد بابلو إيشينيكي المكلف بالتنظيم في حزب (بوديموس) أن نتائج هذا التصويت ستعرف يوم الاثنين المقبل مشيرا إلى أن هذه الاستشارة تتم وفق نفس المعايير الصارمة التي يتم اعتمادها في أية عملية تصويت يقوم بها الحزب .
ويمكن لعملية اقتناء هذه الإقامة التي اعتبرها العديد من المراقبين والمتتبعين للشأن السياسي بإسبانيا بمثابة ” خطأ معنوي وأخلاقي ” أن تؤثر بشكل كبير على المسار السياسي لإيغليسياس ومونتيرو كما أن هذه الأزمة قد تكلف الحزب ما بين 600 و 800 ألف صوت.
لقد تسببت ” فضيحة الفيلا ” في انزعاج كبير لحزب (بوديموس) الذي يشعر مناضلوه وقادته بغضب وخيبة أمل كبيرة اتجاه بعض المسؤولين ولكنهم يخافون بشكل خاص من تأثيرات هذه القضية وعواقبها السياسية على مسار حزبهم .
كما يخشون ألا يتذكر الناس من الآن فصاعدا سوى “الإقامة التي تساوي 600 ألف أورو ” وينسون مقابل ذلك خطاب الحزب المناضل والثوري ودفاعه القوي عن البسطاء وعن الطبقات الدنيا.