شكل شهر رمضان فرصة ثمينة للابتعاد عن العديد من الآفات الاجتماعية ذات المخاطر الصحية والنفسية، ومنها التدخين، حيث يسعى العديد من المدخنين إلى جعل هذا الشهر نقطة الانطلاق من أجل الإقلاع عن هذه العادة السيئة و”المصالحة الصحية” مع الذات، بالنظر للأجواء الروحانية المساعدة على التخفيف من التوتر النفسي.
وتتفق وجهات نظر وآراء المختصين والمهتمين بهذه الظاهرة على أهمية استثمار شهر الصيام وتوظيفه كبرنامج متكامل للإقلاع النهائي عن التدخين على الرغم من صعوبة تحقيق ذلك لأسباب نفسية وجسدية ترتبط بالمدخنين أنفسهم.
وفي هذا الصدد، يقول رئيس المجلس العلمي المحلي لعمالة الصخيرات تمارة، لحسن بن ابراهيم سكنفل، إن شهر رمضان يشكل المناسبة الأفضل للإقلاع عن التدخين، خاصة وأن ساعات الصوم الطويلة تعطي فرصة مهمة للمدخنين من أجل ترك السجائر.
واعتبر في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، أن ما يشاع حول زيادة جرعة الاضطراب والتوتر المرافق للصيام بالنسبة للمدخنين لا أساس له من الصحة وإنما هو فقط سلوك مرتبط بالشخص نفسه، مستعرضا الأضرار النفسية والصحية والاجتماعية والاقتصادية للتدخين من إيذاء للجسد والنفس وآثار سلبية على المحيطين بالمدخن وتبذير للمال.
وأوضح سكنفل أن إمساك الشخص عن التدخين من طلوع الشمس إلى مغربها يشكل تدريبا له ويؤكد له على أنه قادر على ترك التدخين متى صحت العزيمة، “فالذي يستطيع الامتناع عن التدخين خلال ساعات الصوم قادر على الامتناع عن ذلك طيلة اليوم بأكمله”.
وأكد في هذا الإطار، أن الأجواء الروحانية التي يعيشها المسلم خلال هذا الشهر تشكل عاملا محفزا على ترك هذه الآفة والتصالح مع الذات وذلك امتثالا لأمر الله تعالى في هذا الباب من ترك وتجنب مثل هذه الأمور التي فيها مضرة للإنسان ولمجتمعه “لما تتركه من أضرار صحية ونفسية فضلا عن كونها مضيعة للمال”.
من جهته، أبرز الأخصائي في أمراض القلب والشرايين، محمد سعداوي، في تصريح مماثل، أضرار التدخين على القلب والأوعية الدموية منها ظهور مشكلة احتشاء عضلة القلب، التي ينجم عنها زيادة حاجة القلب للأوكسجين عن الحد الطبيعي بسبب مادة النيكوتين الموجودة في السجائر وحدوث مشكلة تصلب الشرايين وعجز القلب عن توزيع الدم المحمل بالأوكسجين إلى كافة أجزاء الجسم وحدوث مشكلة تضييق في الأوعية الدموية.
ولتجنب هذه الأضرار، دعا الأخصائي إلى استثمار الجانب الروحي لشهر رمضان للابتعاد عن التدخين والتخلص بشكل كامل من ترسبات النيكوتين، والتحلي ببعض العزيمة للحفاظ على صحة الجهاز التنفسي، من أجل إعادة انتظام الدورة الدموية وضغط الدم ، وتقليل خطر الإصابة بالأمراض الخطيرة كالسرطان والسكتة القلبية أو الدماغية، والتي يعتبر التدخين سببها الأساسي.
واعتبر الأخصائي أن من شأن استعمال “لصقات النيكوتين” على سبيل المثال مساعدة المدخنين على الإقلاع عن هذه الآفة، باعتبارها بديلا جيدا ومساعدا على تقليل الرغبة في التدخين ، إلى جانب اعتماد برنامج رياضي يساعد على تعديل المزاج والتقليل من حدة التوتر الملازم للتدخين.
وبدوره، أبرز محمد مروان النجار، الأخصائي في الطب العام، أن استجابة الجسم للتدخين تختلف من شخص لآخر. كما أن الأعراض المصاحبة للإقلاع عنه تختلف بحسب طبيعة الجسم، فمن المتعاطين للتدخين من لا يعاني من أية أعراض جسدية بعد ترك هذه الآفة، إذ تقتصر صعوبة الإقلاع لديهم على عوامل نفسية تتعلق بالتدخين كعادة سلوكية يومية لا أكثر.
ويرى الأخصائي، في هذا الإطار، أنه للإقلاع عن التدخين خلال شهر رمضان، يتعين اتباع نصائح وإرشادات الأطباء المختصين، معتبرا أنه قرار شخصي يتعين أن تلازمه الإرادة القوية والتخطيط السليم، مع تجنب كل عوامل التوتر وممارسة بعض الأنشطة.
وتركز حملة اليوم العالمي للامتناع عن تعاطي التبغ 2018 الذي يصادف 31 ماي من كل سنة ، حسب منظمة الصحة العالمية، على موضوع “التبغ وأمراض القلب”، من خلال التأكيد على الصلة القائمة بين التبغ وأمراض القلب وسواها من أمراض القلب والأوعية الدموية، ومنها السكتة الدماغية، والتي تمثل مجتمعة الأسباب الرئيسية للوفاة في العالم، فضلا عن زيادة الوعي داخل صفوف الجمهور على نطاق أوسع بتأثير تعاطي التبغ والتعرض لدخانه غير المباشر.
ووفق منظمة الصحة العالمية، فإن أمراض القلب والأوعية الدموية تحصد أرواح الناس بمعدل يفوق أية أسباب أخرى للوفاة بجميع أنحاء العالم، ويسهم تعاطي التبغ والتعرض لدخانه غير المباشر في وقوع وفيات نسبتها 12 في المئة تقريبا من مجموع الوفيات الناجمة عن أمراض القلب، علما بأن تعاطيه هو السبب الرئيسي الثاني للإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية بعد ارتفاع ضغط الدم.
ويحصد وباء التبغ العالمي أرواح أكثر من 7 ملايين شخص سنويا، منهم 900.000 ألف شخص تقريبا من غير المدخنين الذين يفارقون الحياة من جراء استنشاقهم لدخان التبغ. وتعيش نسبة تقارب 80 في المئة من المدخنين الذين يزيد عددهم على مليار مدخن في عموم أرجاء العالم ببلدان منخفضة الدخل وأخرى متوسطة الدخل.