رحل صباح اليوم الإثنين، السيناريست والروائي والرئيس السابق للجامعة الوطنية للأندية السينمائية محمد اعريوس، بعد صراع مع المرض.
الراحل انخرط بموازاة مع وظائفه المختلفة كأستاذ للغة الفرنسية بالتعليم الثانوي، ومؤطر تربوي وموظف بوزارة التربية الوطنية والأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين بالرباط ، في العمل الجمعوي محليا ووطنيا وشارك في العديد من الأنشطة الثقافية والسينمائية . وهكذا كان عضوا نشيطا ومؤسسا لجمعية النهضة الثقافية بمسقط رأسه تطوان من 1979 الى 1984 ، وعندما كان يعمل بمدينة شفشاون أسس ونشط بها “نادي الحوار السينمائي ” . كما ارتبط اسمه بالجامعة الوطنية للأندية السينمائية بالمغرب ( جواسم ) منذ انطلاقتها الجديدة سنة 1992 اذ اضطلع بالعديد من المهام داخل مكاتبها المركزية بدءا بالمكتب الذي ترأسه من 1992 الى 1994 الناقد والصحافي السينمائي ، آنذاك ، عبد السلام بوخزار ومرورا بالمكتب الذي ترأسه المهندس رشيد عبد الكبير من 1994 الى 1996 وانتهاء بمكتبي 1996 – 1999 و 1999 – 2002 اللذين تحمل فيهما اعريوس مهمة رئيس الجامعة المذكورة .
تلقى محمد اعريوس تكوينا جامعيا رصينا في اللغة والأدب الفرنسيين بكلية الآداب والعلوم الانسانية بفاس ، توج بنيله لشهادة الاجازة سنة 1983 ، ومباشرة بعد ذلك التحق بكلية علوم التربية بالرباط وتخرج منها سنة 1984 بدبلوم في ديداكتيك الفرنسية خول له دخول حقل التعليم من بابه الواسع حيث أبان من خلال ممارسته الوظيفية، داخل القسم وخارجه، عن تمكن واضح من الأدوات الديداكتيكية وعن تملك لمعرفة واسعة باللغة الفرنسية وآدابها .
لم ينحصر نشاط الراحل في تدريس اللغة الفرنسية فحسب بل تجاوزه الى تأطير ورشات تكوينية حول المسرح المدرسي وكتابة السيناريو تم التنويه به من طرف سفارة فرنسا بالرباط والمركز السينمائي المغربي سنة 1987 ، هذا بالاضافة الى وضع تصور لأول نواة وطنية لشبكة النوادي السينمائية المدرسية تم احداثها بالفعل عندما أصبح رئيسا لجامعة الأندية السينمائية من 1996 الى 2002 في اطار اتفاقية شراكة تم توقيعها بين ” جواسم ” و وزارة التعليم الثانوي والتقني في عهد الدكتور عبد الله ساعف . كما وضع تصورا لمركز التوثيق والاعلام ، وأطر ووجه مجموعة من التلاميذ والأساتذة المكلفين ببرامج الأنشطة ذات الطبيعة السينمائية الموازية للتعليم.
ونتيجة لكل هذا المجهود تم الحاقه ، من 2000 الى 2003 ، بوزارة التربية الوطنية بالرباط حيث كلف الى جانب الناقد السينمائي والمفتش المركزي لمادة اللغة الفرنسية أحمد فرتات ( أحد مؤسسي جمعية أصدقاء السينما بتطوان ومهرجانها السينمائي المتوسطي ) بالخلية المركزية للتنشيط السينمائي والسمعي البصري ، التي أشرفت آنذاك على البرمجة والتنسيق وتقويم أنشطة الشبكة الوطنية للنوادي السينمائية المدرسية ، بالاضافة الى تأطير التداريب التكوينية الخاصة بتقنيات التنشيط السينمائي والتحليل الفيلمي لفائدة مؤطري هذه النوادي من تلاميذ وأساتدة . زد على ذلك مشاركاته في العديد من الندوات الأدبية والسينمائية وورشات التكوين في المهن السينمائية ولجن تحكيم مسابقات الأفلام ومباريات كتابة السيناريو وتقديم استشارات للعديد من التظاهرات السينمائية المنظمة ببلادنا.
من هذه الأنشطة التعليمية والجمعوية المختلفة يبدو الدور الكبير الذي اضطلع به الأستاذ اعريوس ، إلى جانب فاعلين آخرين ، في التحسيس بأهمية الصورة وثقافتها والعمل من مواقعه المختلفة على نشر الثقافة السينمائية وإدخال التربية الفنية في شقها المسرحي والسينمائي والسمعي البصري عموما إلى المؤسسة التعليمية العمومية المغربية التي ظلت لعدة سنوات تشكو من نقص مهول على هذا المستوى. وبحكم هذا العمل الجبار الذي لم يكن بالإمكان القيام به إلا من لدن شخص يؤمن بما يفعل ويتوفر على القدرات المعرفية الكافية للنجاح في ذلك ،أفرزت حركة الأندية السينمائية والفنية المدرسية منذ بضع سنوات العديد من التظاهرات التربوية المرتبطة بالفيلم في مختلف ربوع المملكة وفتحت الآفاق واسعة أمام التلاميذ الموهوبين لارتياد عوالم الإبداع السمعي البصري الهاوي والمحترف .
بعد تحرره من إكراهات مسؤولياته المتعددة ،أصبح لمحمد اعريوس متسع من الوقت للتفكير في مشاريعه الثقافية والتربوية والإبداعية وكيفية استثمار رصيده المعرفي وخبرته الطويلة نسبيا في التأطير وقراءة النصوص الأدبية ومشاهدات الأفلام المتنوعة . وهكذا أفرز تفرغه لمشاريعه الشخصية إنجاز مجموعة من الأعمال الأدبية والفنية نذكر منها بالخصوص روايته ” ليلة الاحتكاك الجسدي المستحيل ” (2002 ) و كتابه الأول في النقد السينمائي بعنوان ” الأفلام المغربية وبلاغة الحشمة ” (2003) ومسرحية ” اللئيم والزنجي ” (2007) ومجموعة من السيناريوهات لأفلام روائية( طويلة وقصيرة ) ووثائقية وأعمال تلفزيونية ، بعضها تم تصويره وعرضه كالفيلمين الطويلين ” لعبة الحب ” (2007) و ” فينك أليام ” (2009) لإدريس اشويكة والفيلمين القصيرين ” اليد اليسرى “(2012) لفاضل اشويكة و ” ماء ودم ” لعبد الاله الجوهري ( صور سنة 2013 ) وغيرها.