أعلنت الكونفدرالية الديمقراطية للشغل خوض إضراب وطني عام، يوم الأربعاء 20 يونيو 2018، مشيرة إلى أنه “إضراب سلمي حضاري”، وذلك “دفاعا عن العمال، ودفاعا عن الوطن، ومن أجل المساهمة في إعادة التوازن داخل المجتمع، والتوازن في علاقة الدولة بالمجتمع، وإنقاذ البلاد”، موضحة أن “المصلحة العامة تعلو فوق كل الاعتبارات والحسابات السياسوية الضيقة، وتسمو عن المصالح الاقتصادية الخاصة”.
وكانت الكونفدرالية الديمقراطية للشغل (ك د ش) خاضت مجموعة من المعارك النضالية القبلية، سبق أن سطرتها، في إطار برنامج نضالي، قبل الإضراب العام الوطني، آخره تنظيم المسيرات الإقليمية يوم السبت 26 ماي 2018.
وقال عبد القادر الزاير، في ندوة صحفية، الثلاثاء، إن “الوطنية الحقيقية اليوم تقتضي قول الحقيقة، والحقيقة أن المغرب ليس بخير”، مضيفا، خلال الندوة التي أعلنت فيها (ك د ش) عن خوضها الإضراب، حيث غابت عنها وسائل الإعلام العمومية، وحضرتها قيادات فيدرالية اليسار الديمقراطي، وحزب النهج، أن “الحكومة تتحمل مسؤولية فشل الحوار الاجتماعي، وعدم قدرتها الفكرية على استيعاب طبيعة المرحلة المتحولة إقليميا ودوليا”، واعتبر أن “الصمت في بعض اللحظات قد يعتبر خيانة”، مؤكدا أن قرار خوض “الإضراب العام هو جواب على مرحلة”.
وأضاف الزاير، خلال الندوة الصحفية، التي عقدتها المركزية النقابية الثلاثاء 12 يونيو، بالمقر المركزي، أن الكونفدرالية “ستواصل حركتها النضالية، والاحتجاجية المسؤولة، في مواجهة كل السياسيات غير الشعبية التي تتبعها الحكومة، في حق الطبقة العاملة المغربية، وكل فئات الشعب الكادحة”، وشدد، في كلمته، على أن قرار الكونفدرالية تنفيذ إضراب عام وطني يوم الأربعاء 20 يونيو 2018، قرار يرقى “إلى مستوى اللحظة التاريخية، بما تسجله السياسة العمومية من أعطاب بنيوية وهيكلية وحراك شعبي وتدمير ممنهج لمؤسسة الحوار الاجتماعي، وانتهاك صارخ للحقوق الاجتماعية لعموم الأجراء والموظفين”، ملوحا أن الكونفدرالية “مقبلة على اتخاذ العديد من المبادرات النضالية، انسجامها مع مبادئها وقيمها الثابتة، واستقلاليتها”، منبها في هذا الإطار، إلى “خطورة استمرار الدولة في ارتكابها للأخطار نفسها، بما ترتب عنها من أزمات وتوترات أنتجت أشكالا تعبيرية جديدة كـ(أسلوب المقاطعة)”.
من جهته، اعتبر علال بنلعربي، عضو المكتب التنفيذي لـ(كدش)، خلال تلاوته للنص الكامل للتصريح الصحفي، خلال أشغال الندوة الصحفية، أن المرحلة التاريخية الجديدة، التي دخلها المغرب، مليئة بالصعوبات والتعقيدات بما يؤشر أن بلادنا تعيش أزمة بنيوية تظهر عناصرها في الارتباك والتردد الحاصل لدى الدولة في تدبير الإشكالات المطروحة، السياسية والاجتماعية والاقتصادية والمالية.
وأشار بلعربي إلى أن الوضع الاجتماعي يعيش على إيقاع أعطاب بنيوية سيكون لها الأثر العميق على تماسك المجتمع والاستقرار والأمر هنا يتعلق بالوضع الكارثي للتربية والتعليم والسعي الذؤوب لتتخلص منه الدولة، من خلال إحداث رسوم للتسجيل كمدخل لضرب المجانية، واعتماد شراكة قطاع خاص/عام كشكل من أشكال الخوصصة وتسليع التربية وهو نفس السياق والتوجه الذي يحكم سياسة الدولة بخصوص الصحة العمومية التي تسير عمليا في اتجاه الخوصصة، وهكذا بقدر ما تتخلص الدولة من الخدمات الاجتماعية، بقدر ما يفتح المجال للوبيات المالية والاقتصادية وتشجيعها على جشعها للمتاجرة في القطاعات الاجتماعية للسيطرة على خيرات البلاد وثرواتها بطرق لا مشروعة في معظمها لتحويل الخدمات الاجتماعية إلى سلع، ولعل من بين أبرز مظاهر الأزمة بالإضافة إلى ذلك ظاهرة البطالة ومعضلة التشغيل، التي عمت أغلب وأوسع الفئات الاجتماعية للشعب المغربي إذا كانت نسبة البطالة عموما وصلت إلى 10,4%، فإن نسبة الشباب العاطل في الوسط الحضري تصل إلى 40%.
هذا إضافة إلى اتساع دائرة الفقر وخاصة في العالم القروي التي وصلت إلى 85% من الذين يعانون من الفقر المتعدد الأبعاد، وإذا وقفنا على الأرقام والإحصائيات التي تصدرها المندوبية السامية للتخطيط في كافة المجالات الاجتماعية بما فيها الفقر والهشاشة والتهميش ونسبة الأمية بالنسبة للسكان النشيطين التي تصل إلى أكثر من 40% .
واستخلص بلعربي أن الوضع بالمغرب مقلق ومهدد في استقراره، مشيرا إلى أن الاحتجاجات الاجتماعية المشروعة التي عرفها المغرب في الريف وزاكورة وجرادة وأوطاط الحاج، والمقاطعة في عمقها تعبيرات تختزل عمق الأزمة التي دخلها المغرب، وبالتالي فهي تساءل الدولة بخصوص الإثراء اللامشروع والفساد والرشوة وانعدام تكافؤ الفرص والاحتكار واستبداد لسلطة المال في ارتباط عميق بالسلطة السياسية لقد تجاوزوا الحدود في التسلط المالي والسياسي واحتقار المجتمع والتعالي عليه وصناعة، عالم مفارق للواقع بمنظور لا يخلو من نزعة استبدادية، فحصاد اليوم هو حصيلة للسياسات العمومية والأخطر اليوم هو أن الدولة استنفدت كل الأساليب الاحتوائية وطرق الالتفاف على وضع اجتماعي مختل، لم يعد يحتمل الحلول الترقيعية، ولم يبق أمامها سوى خيار واحد هو الإصلاح العميق الشامل، إن ما نعيشه اليوم من أزمة عميقة هو نتيجة طبيعة للاختيارات السياسية اللاديمقراطية، وبخصوص الحوار الاجتماعي ومسؤولية الحكومة. نؤكد أن الحركة النقابية المغربية تحمل الحكومة كامل المسؤولية في ما آل إليه الحوار الاجتماعي من فشل، الفشل الذي عبر عنه موضوعيا العرض الهزيل الذي قدمته الحكومة فيما يخص تحسين الدخل للأجراء باقتراحها زيادة في الأجور 300.00 درهم امتداد 3 سنوات، وفي عدم الالتزام في تنفيذ ما تبقى من اتفاق 26 أبريل 2011 خاصة توحيد الحد الأدنى الصناعي بالحد الأدنى الفلاحي أو بإحداث درجة جديدة بالنسبة لجميع الموظفين دون تمييز، والتعويض للعاملين بالمناطق النائية، والأخطر هو طرح مشروع قانون الإضراب بمناقشته بالبرلمان في لحظة اللقاء الحكومية/ النقابية.
وقال إن العرض الحكومة لا يعبر فقط عن استخفاف بالحركة النقابية وبالمطالب المادية والاجتماعية والمهنية للأجراء، والاستهتار بها، ولكنه بالإضافة إلى ذلك تعبير موضوعي عن العجز الفكري والسياسي في إدراكها للوضع الاجتماعي المختل وما يتطلب من إصلاح فعلي تأمينا للاستقرار. مضيفا أن الإجراءات والتدابير التي اتخذتها الحكومة السابقة والحالية امتداد طبيعي من ضرب مكسب التقاعد، وتحرير الأسعار دون إحداث الآليات القانونية للأسعار، وتجميد وتفكيك الوظيفة العمومية باعتماد التعاقد، وتجميد الأجور والتعويضات، والحد من الكلفة الاجتماعية غير مبالية بالغلاء المتزايد في الموارد الأساسية المعيشية وفي تدهور القدرة الشرائية للعمال وعموم الأجراء. وتكبيل الحركة النقابية من خلال مشروع قانون الإضراب.
ولم يفته الإشارة إلى خطورة مشروع خوصصة التعليم والصحة، وضرب المجانية من خلال إحداث رسوم للتسجيل بالتعليم، موضحا أن “هذه الإجراءات الخطيرة القائمة على هدم كل المكتسبات الاجتماعية، وضرب الحماية الاجتماعية، وتفكيك المرفق العمومي، هي في جوهرها تدمير للدولة الاجتماعية، وهو ما يؤدي الى بناء مرحلة جديدة مبنية على أسس وقواعد الليبرالية الجديدة المتوحشة، التي تجرد الإنسان من بعده الاجتماعي، وهو الأمر الذي سيؤدي إلى إحداث اختلالات خطيرة داخل المجتمع، تفقده توازنه، وتؤدي الى التوتر والعنف”.
وحمل، في الأخير، الحكومة المسؤولية الكاملة في فشل الحوار الاجتماعي، وفي عدم تقديرها للوضع، وضيق ثقافتها التي لا تنتمي إلى العصر، ثقافة محكومة بالحنين الى نزعة ماضوية مطبوعة بالتقنية، حكومة لا رؤية لها.