توتر بالغ على الصعيد الشعبي بين المغرب والسعودية بسبب سباق استضافة مونديال 2026، والترقب مستمر لقرارات مغربية خاصة بعد اتصال العاهل المغربي بأمير قطر. فهل تتسبّب الرياضة بتغيير خارطة تحالفات المغرب في منطقة الخليج؟
تجنّد آلاف المغاربة على مواقع التواصل الاجتماعي للسخرية من الهزيمة التي تعرّض لها المنتخب السعودي في افتتاح مباريات مونديال روسيا 2018 على يد المستضيفة روسيا بخمسة أهداف لصفر. السخرية المغربية لم تبدأ اعتباطاً، بل تعود أساساً لتصويت السعودية لصالح الملف الأمريكي الثلاثي ضد الملف المغربي في سباق تنظيم كأس العالم 2026، وما راج عن قيام الرياض بحملة لتحفيز دول أخرى بأن تختار هي الأخرى الملف الثلاثي.
ومباشرة بعد إعلان نتائج التصويت، وفوز الملف الأمريكي-الكندي-المكسيكي بـ 134 صوتاً، من بينها أصوات دول عربية وإسلامية، مقابل 65 صوتاً للمغرب، انتشر غضب مغربي واسع في الشبكات الاجتماعية ممّا اعتبر “خيانة وغدراً” من لدن دول حليفة للرباط. ولم يتوقف الأمر عند الجانب الشعبي، فالموقف الذي عبّر عنه الملك محمد السادس، بإجرائه اتصالاً مع أمير قطر تميم بن حمد تقديراً لتصويت الدوحة على ملف الرباط، أعطى أكثر من دلالة بخصوص تغييرات ممكنة في علاقة المغرب بالخليج، خاصة وأنه الاتصال الوحيد حول نتائج التصويت الذي أعلن عنه القصر الملكي المغربي حتى الآن.
هل كان التصويت سياسيا؟
بلاغ الديوان الملكي المغربي يجب “التوقف عنده”، عبارة جاءت على لسان الناطق الرسمي باسم الحكومة المغربية مصطفى الخلفي في ندوة صحفية، خاصة وأن قطر، كانت أوّل دولة تعلن دعمها اللّا مشروط لإعلان المغرب ترّشحه لاستضافة مونديال 2030، وهي المرة السادسة التي يحاول من خلالها المغرب تنظيم المونديال.
موقف مغربي آخر ضاعف من التساؤل حول طبيعة العلاقة المستقبلية بين الرباط والخليج، هو إعلان وزير الثقافة والاتصال المغربي، محمد الأعرج، أنه لن يشارك في أشغال اجتماع وزراء إعلام دول التحالف المشارك في حرب اليمن، مبرّراً ذلك بارتباطات أخرى، وهي أوّل مرة يتخلف فيها وزير مغربي عن اجتماع يخصّ دول التحالف.
الغضب المغربي من السعودية ليس فقط بسبب التصويت، وليس بسبب اتخاذ الرياض لموقف يتماشي مع مصالحها بل بسبب “تسييس الملف من لدن رئيس إدارة الهيئة العامة للرياضة السعودية، تركي آل الشيخ، الذي كتب تدوينات قبل مدة تعاكس المغرب، وبسبب قيامه عشية التصويت بحشد الدعم واستقطاب دول كثيرة لأجل التصويت على الملف الأمريكي يقول نور الدين مفتاح، مدير نشر أسبوعية الأيام المغربية لـDW عربية، متحدثاً عن أن هذه السلوكيات أعطت للسجال الرياضي بعداً سياسياً.
لكن الصحفي السعودي زيد بن كمي مدير تحرير صحيفة الشرق الأوسط في لندن، يقول لـDW عربية إن “الملف الأمريكي كان أقوى بكثير من نظيره المغربي، وإن المغرب لم يظهر مستعداً بما يكفي لتنظيم المونديال”، كما لم يقم بحملة دولية واسعة لأجل حشد الدعم لترشيحه، فضلاً عن أنه “لم يطلب مبكراً تصويت السعودية عليه”. ويضيف بن كمي أن “القضية رياضية بحتة ولا تفسير سياسي لها، خاصة وأن السعودية ليست هي من حسمت النتيجة، إذ كان الفارق في الأصوات كبيراً بين الملفين”.
هل تتأثر علاقة الرياض مع الرباط؟
يرتبط المغرب بعلاقات تاريخية مع السعودية يؤكدها تعاون ثنائي مستمرمنذ عقود، ويشهد عليها اختيار العاهل السعودي لمدينة طنجة المغربية لقضاء عطلته السنوية. الاستثمارات السعودية متعددة في المغرب، والتوقعات الرسمية تتحدث عن أنها تجاوزت 4 مليارات دولار نهاية 2014، كما تمنح السعودية المغرب من حين لآخر هبات مالية لا تُسترد. على الصعيد السياسي، تدعم الرياض بقوة الحلّ الذي تقدمه الرباط لنزاع الصحراء، بينما تدعمها الرباط في حربها ضد الحوثيين وصراعها مع إيران.
لكن وقوف المغرب على “الحياد الإيجابي” في الأزمة الخليجية وإبقائه علاقات قوية مع قطر، فتح باب الحديث أمام خلاف سعودي-مغربي صامت، من تجلياته ما كتبه تركي آل الشيخ قبل أسابيع، من أن المغرب يضيّع وقته باتجاهه إلى قطر، وأن من يريد الدعم عليه أن يبحث عنه في الرياض.
الإعلام المغربي دخل مؤخراً في دائرة الخلاف، ومنه إعلام مقرّب من بعض دوائر السلطة، إذ أنجز تغطيات تنتقد السعودية بشكل غير مسبوق، وهو مؤشر جديد على توتر علاقة الطرفين، بل إن متتبعين كثر توقعوا أن يعلن المغرب عن انسحابه من التحالف في اليمن.
“هناك تعامل بالمثل في العلاقات الدولية. وجُرح اليوم قد يتحوّل غداً إلى موقف سياسي” يقول نور الدين مفتاح، مشيراً إلى أن بلاغ الديوان الملكي بشأن الاتصال مع قطر ربما قد يحمل رسالة إلى الرياض وأبو ظبي. لكن هل يغامر المغرب بعلاقاته الاستراتيجية مع السعودية؟
يجيب مفتاح بالقول: “المغرب لن يضحي بكرامته من أجل حفنة استثمارات علماً أن السعودية هي من احتاجت المغرب في عدة محطات كحرب الخليج الثانية والحرب في اليمن”. ويضيف مفتاح أن الدولة المغربية لها “آنفة وعزة، ولديها تنوع في شركائها الاستراتيجيين ولا تقبل أن يكون ثمن تعاونها مع السعودية ما جرى مؤخراً في تصويت الفيفا”.
عكس مفتاح، يرى زين بن كمي أن بلاغ الديوان الملكي لا يرسل أيّ رسائل للآخرين، وأن العلاقات المغربية-السعودية لن تتأثر، مشيراً أن الرياض “دعمت الرباط في قضايا حساسة أكبر بكثير كنزاع الصحراء الغربية” . ويتابع بن كمي أن من يريد استغلال قضية تصويت المونديال سياسيا لخلق توتر بين المغرب والسعودية لا يخرج عن اثنين، إما “النظام القطري، وإما داعميه وأساساً الإخوان”، على حد تعبيره، مبرزاً أنه لحدّ اللحظة لا يوجد أي موقف رسمي مغربي ينتقد السعودية على تصويتها للملف الأمريكي.
المصالح مع واشنطن أقوى
بيدَ أن التصويت السعودي على الملف المشترك لا يمكن فهمه على ضوء الكرة لوحدها، بل يدخل فيه جانب جيو سياسي، إذ سبق للرياض أن برّرت دعمها الملف الأمريكي بـ”المصالح”، وهي تلّمح هنا إلى علاقتها المتنامية مع واشنطن لأجل مواجهة إيران وتعزيز الدور الإقليمي للسعودية على حساب قطر، بل إن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، فتح آفاقاً جديدة من التعاون مع أمريكا ترامب، عندما صرّح أنه من حق الإسرائيليين أن يكون لهم وطناً، وهو تحوّل ملحوظ في وجهات نظر الرياض التي لا تعترف بإسرائيل رسمياً.
محمد بن سلمان ودونالد ترامب
تحضر الرياضة في رؤية “السعودية 2030” لأجل مواجهة قطر التي فازت بتنظيم مونديال 2022 وتحتكر بثّ أهم المنافسات الرياضية العالمية. ومن أكبر مشاريع السعودية في هذا الإطار، خصخصة الأندية، وتنظيم المنافسات العالمية.
ولأجل تحقيق هذه الطموحات، تبقى الشراكة السعودية-الأمريكية إحدى الآليات، خاصة وأن واشنطن أكدت دعمها الكامل لرؤية 2030، وأعلنت عن استثمارات مشتركة مع الرياض، تصل قيمتها 446 مليار دولار.
“طبيعي أننا نتمنى أن تكون الدول العربية متكتلة في مواقفها، لكن العلاقات الدولية تبنى كذلك على المصالح، ومن حق السعودية البحث عن مصلحتها الخاصة” يقول بن كمي، مشيراً أن الأمر ينطبق على جلّ الدول العالمية.
الرأي لا يشاطره نور الدين مفتاح، الذي يجيب : “خدمة مصالح بلد ما لا تأتي عبر الكفر بالقضايا المصيرية كفلسطين وتشجيع الانقلابات الداخلية والدوس على أحلام الشركاء”.
الكاتب: إسماعيل عزام