سلطت جريمة قتل مسلم ترددت شائعات عن ذبحه بقرة، على أيدي جمهرة من عامة الهندوس، الضوء على برامج متشددة لدى بعض أتباع رئيس الوزراء الهندي، ناريندرا مودي، الأمر الذي يقوض ما وعد به من التنمية للجميع.
وفي جولة في وادي السيليكون، الشهر الماضي، كرمه فيها كبار رجال صناعة التكنولوجيا الأمريكيين، والمهاجرون الهنود، فاز مودي بوعد من مايكروسوفت لتوفير خدمة انترنت بأسعار زهيدة لنحو 500 ألف قرية لدعم رؤيته ربط الهند بالعالم بشبكة رقمية.
ومن هذه القرى قرية بيسارا الواقعة على مسافة 50 كيلومترا من العاصمة نيودلهي.
وفي تلك القرية هاجمت مجموعة من المعتدين منزل محمد أخلاق، ليل الاثنين، من الأسبوع الماضي، وضربوه حتى أزهقوا روحه، وجروه جثة هامدة إلى الشارع.
وقد احتل عضو البرلمان عن الدائرة التي تتبعها القرية، وهو ماهيش شارما، ويشغل أيضا منصب وزير الثقافة في حكومة مودي، عناوين الصحف مؤخرا بتصريحات أظهرت جانبا مختلفا للحزب الحاكم الذي يمثل القوميين الهندوس.
ففي إحدى الخطب الأخيرة تعهد شارما بتطهير الحياة العامة التي “لوثتها” المؤثرات الغربية.
وزار شارما قرية بيسارا هذا الأسبوع لتقديم تعازيه لأسرة أخلاق وقال لها إن من الممكن أن يكون مقتله “حادثا عارضا”.
وقالت إكرامان أرملة أخلاق، التي أصيبت بجروح في وجهها، لرويترز بمنزل الأسرة “كيف يمكن للزعيم أن يصف جريمة قتل زوجي بأنها حادث. لا أعتقد أن الوزير يعرف الفرق بين الحادث وجريمة القتل.”
ويقول منتقدون إن تعليق شارما ينطوي ضمنا على التغاضي عن قتل أخلاق.
ويعد أكل لحوم البقر محرما عند كثير من الهندوس، الذين يمثلون 80 في المائة من سكان الهند البالغ عددهم 1.25 مليار نسمة. ويبلغ عدد المسلمين في الهند 175 مليون نسمة.
* دماء على الجدران
لم يسبق أن وقعت أي اشتباكات طائفية في القرية التي تسكنها 400 أسرة هندوسية، من ملاك الأراضي، و35 أسرة مسلمة، حتى عندما تفجرت أعمال شغب دينية في المنطقة.
وفي عام 2013 لقي 65 شخصا مصرعهم في اشتباكات طائفية في مختلف أنحاء بلدة مظفر نجار الشمالية.
لكن إعلان كاهن هندوسي عبر مكبرات الصوت المثبتة فوق معبده أن أخلاق ذبح بقرة وأن زوجته تطهو لحم البقر للعشاء وضع نهاية مفاجئة لعرف التسامح الذي ساد القرية وذلك حسبما قال أفراد من الأسرة وسكان آخرون في القرية سمعوا النداء.
وخلال دقائق اقتحمت مجموعة من الناس بيت أخلاق، الذي يعمل حدادا، وعمره 56 عاما، وخربوا المطبخ، بحثا عن اللحم، وضربوا الرجل بالطوب، والحجارة، حتى لفظ أنفاسه الأخيرة.
ويرقد الابن الأصغر لأخلاق، الذي أصيب بجروح شديدة في الرأس في العناية المركزة بين الحياة والموت.
وقالت أرملة أخلاق إنه قتل لجريمة لم يرتكبها.
وأضاف إكرامان “حتى الآن لا استطيع أن أصدق أن جيراني الهندوس قتلوا زوجي. جيراني كانوا مثل عائلتي الكبيرة.”
وستقضي إكرامان شهر الحداد الذي جرى عليه العرف في غرفة قرب مسرح الجريمة الملطخ بالدماء.
* هل كان اعتداءا مدبرا؟
يقول مسلمون في القرية إن قتل أخلاق كان اعتداء مدبر،ا يستهدف تقسيم أهل القرية تقسيما دينيا، دبرته جماعات هندوسية متشددة، موالية لحزب بهاراتيا جاناتا، الذي ينتمي إليه مودي والذي فاز في الانتخابات العامة في مايو 2014.
وشارما ومودي عضوان في جماعة تسمى راشتريا سوايامسيفاك سانغ تمثل الفكر العقائدي الذي انبثق عنه الحزب. وتنادي هذه الحركة بعقيدة تؤكد أن الشعب الهندي شعب هندوسي.
وألقت الشرطة القبض على سبعة من الشبان الهندوس في مقتل أخلاق وعلى جندي من قوات الأمن متهم بتخطيط الاعتداء. كما يبحث المحققون عن نشطاء هندوس نشروا شائعات ورسائل عبر الانترنت يؤكدون فيها أن أخلاق احتفظ بستة كيلوجرامات من لحم البقر بثلاجته (براده).
وستجري المنطقة انتخابات مجالس القرى الأسبوع المقبل وقد أصبحت بيسارا فجأة بعد مقتل أخلاق منطقة جذب لرجال السياسة المشاركين في الحملات الانتخابية.
وتقول تقارير إخبارية إن نائبا من الحزب الحاكم متهما بالتحريض على أعمال الشغب في مظفرنجار جاء إلى بيسارا، يوم الأحد، وحذر من “رد ملائم” إذا قدم المتهمون للمحاكمة.
ومنذ أكثر من 20 سنة حظر كثير من الولايات الهندية، من بينها ولاية أوتار براديش، أكبر ولايات الهند، حيث تقع قرية بيسارا ذبح الأبقار. كما ضيق حزب مودي الخناق في الولايات التي يحكم فيها على تناول اللحم البقري، رغم أن الهند ثاني أكبر مصدر للحوم الأبقار وخامس أكبر مستهلك لها في العالم.
ويقول منتقدون إن قوانين منع ذبح الأبقار تمثل تمييزا ضد المسلمين، والمسيحيين، وفقراء الهندوس، الذين يعتمدون على هذه اللحوم الرخيصة كمصدر للبروتين.
وفي الوقت نفسه وفرت هذه الإجراءات المشددة غطاء لجماعات هندوسية تتولى مراقبة تنفيذ حظر ذبح الأبقار.
وتقوم مثل هذه الجماعات بمهاجمة الشاحنات التي تنقل الماشية، وتراقب عمليات التحول من الهندوسية إلى أديان أخرى في القرى والمدن، وتحذر الفتيات الهندوسيات من الوقوع في غرام المسلمين. وقد أبدى مودي شجبه لهذه الجماعات.
وكتب المحلل السياسي براتاب بهانو مهتا في صحيفة انديان اكسبرس يقول “من ينشرون هذا السم يتمتعون بحمايته” مشيرا إلى مودي.
وقال “هذه الحكومة هيأت لنبرة منحطة ضارة بالحرية.”
وقال مكتب شارما إن الوزير يطالب بتحقيق اتحادي مستقل في مقتل أخلاق. ولم تتلق رويترز ردا على مكالمات يوم الأحد لثلاثة مسؤولين في مكتب مودي.
وفي غشت انضم ما لا يقل عن 16 رجلا من بيسارا لحركة هندوسية متشددة جديدة تسمى سامادهان سينا (جيش الحل).
وهذه الحركة ليست مرتبطة رسميا بحركة راشتريا سوايامسيفاك سانغ لكن عضوين فيها قالا لرويترز إنها ستطبق برنامجها في كل قرية.
وقال أجاي سينغ عضو حركة سامادهان سينا “ما كان على أخلاق أن يذبح بقرة. وما كان عليه أن ينسى إن الهند تنتمي للهندوس أولا.”