لم يفوت عبد الله البقالي، مدير نشر يومية العلم، لسان حال حزب الاستقلال الفرصة، للرد على وزارة الداخلية، بخصوص بلاغ اللجنة الحكومية المكلفة بالانتخابات، الذي يتهم عشرة مستشارين برلمانيين باستعمال المال في الانتخابات، ومعهم مرشحون لم ينجحوا، وحزبيين آخرين، تضمنهم البلاغ جميعا بالاسم والنسب، إلا شخص واحد بالاسم فقط.
وكتب عبد الله البقالي، عضو اللجنة التنفيذية لحزب الاستقلال، في ركن “حديث اليوم”، في يومية العلم، وبشكل ساخر، منتقدا بلاغ، اللجنة الحكومية المكلفة بمتابعة الانتخابات، في “شأن متابعة مجموعة من المواطنين، قالت إنهم متورطون في أفعال يجرمها القانون ذات علاقة بانتخابات مجلس المستشارين”. ووصف البقالي بـ”الخطير جدا”.
ولم يفوت البقالي الفرصة ليؤكد، أولا، أن “قضية محاربة الفساد بجميع تلاوينه السياسية والاقتصادية والاجتماعية لا تصلح موضوعا للمزايدات السياسية”، موضحا أنه “حينما نبدي مجموعة من الملاحظات في شأن هذا البلاغ اليتيم لا يعني بأي شكل من الأشكال أننا نحمي الفساد والفاسدين أو نتستر عليهم”.
وقال البقالي إن “البلاغ البئيس والرديء يخفي من ورائه خلفيات سياسية صرفة، ومصيبتنا في هذه البلاد أن ممارسة العمل السياسي أصبحت جد مكلفة معنويا، فما أن تتخذ موقفا أو تبدي رأيا في السياسة أو في الاقتصاد حتى يفتعلون ضدك قضية، وهذه قاعدة صالحة للهيئات كما للأشخاص”، قبل أن يستدرك قائلا، “ولذلك لا غرو في أن يكون إصدار هذا البلاغ البئيس مرتبطا أشد الارتباط بانتخابات رئاسة مجلس المستشارين، فحزب الاستقلال الذي بوأته انتخابات مجلس المستشارين المرتبة الأولى ارتأى في إطار قراءته لهذه النتائج تقديم مرشح عنه لشغل هذه الرئاسة، وجاء الجواب المباشر بإصدار هذا البلاغ الرديء ولنا أن نلاحظ أنه ركز على أسماء من جهة سوس ماسة وهي في غالبيتها استقلالية”.
واعتبر البقالي أنه بإصدار اللجنة هذا البلاغ، الذي ظل يردد أنه “بئيس”، تكون “تجاوزت اختصاصاتها، وصلاحياتها، وتطاولت على اختصاصات القضاء بصفة خاصة”، متسائلا في الآن نفسه، “متى كانت وزارة الداخلية تصدر بلاغات تتهم أشخاصا باقتراف أفعال ترى هي أن القوانين تجرمها؟ بل وتحرص كل الحرص على ذكر أسماء هؤلاء الأشخاص والمدن التي ينتمون إليها”، مسجلا هذه السابقة، حين يقول “إننا لم نسمع بهذا من قبل”، مستحضرا في الآن نفسه أن “المصالح التابعة لوزارة الداخلية تحرص في بلاغاتها التي تصدرها عقب تفكيك عصابات إجرامية أو إرهابية على عدم ذكر أسماء الأشخاص المورطين فيها”، مستنتجا أن “وزارة الداخلية ترى أن الاشتباه في أفعال يعاقب عليها القانون بالنسبة للانتخابات أكثر خطورة من الجرائم الإرهابية”.
وقال البقالي “ليس من حق وزارة الداخلية، ولا من حق وزارة العدل والحريات إطلاق العنان لقذف الأشخاص بتهم ثقيلة”، وفي المقابل أكد أن “هذا الأمر من اختصاص القضاء، والقضاء وحده”.
وقال البقالي إن “وزارة الداخلية التي أصدرت هذا البلاغ البئيس معنية بالفساد الانتخابي، إن وجد، ولنا أن نؤكد اتهامنا الصريح للعديد من المسؤولين الترابيين المتورطين في الفساد الانتخابي، ولكن لا نملك الحق في التنصت على هواتفهم، ولا نقدر على الترامي على اختصاصات القضاء، الذي يبدو في موقف لا يفي بالغرض في هذه القضية -حتى لا نقول أشياء أخرى-“.
واستغرب كيف أن “وزارة الداخلية التي تظهر شطارتها اليوم في قضية الفساد الإنتخابي ليست قادرة على إظهار نفس الشطارة والشجاعة في ملفات فساد كبيرة، وخطيرة، أزكمت روائحها الأنوف مرتبطة بمصالح وزارة الداخلية خصوصا في الأقاليم و العمالات، ولذلك فإنها حينما تفتح فمها اليوم في قضية فساد فإن مصداقيتها لا تنفعها في ذلك -مع كامل الأسف-“.
وأعاد البقالي التذكير بمقال سابق قبل ست سنوات مضت، “قلتها في هذا الركن قبل ست سنوات من الآن، وأكررها اليوم، وسأظل أكررها، إن انتخابات مجلس المستشارين مبنية على أساس الفساد المالي، ولم يحصل هذا البناء من قبيل الصدفة بل لأن هذه الغرفة وجدت أصلا لاستيعاب المؤثرين في القرار الاقتصادي، وكان عدد منهم في السابق منتفعين انتفاعا مباشرا من الفساد المالي السائد خلال ظروف معينة، وكان من الطبيعي أن نفهم لماذا يخسر مرشح واحد أكثر من مليار سنتيم للفوز بمقعد لن يسترجع من الأجر المحصل عليه من هذا المقعد واحد في المائة من قيمة ما قدمه كرشاوى لكسب أصوات الناخبين الكبار، ولازال جزء من هذه الحقيقة سائدا إلى الآن -مع كامل الأسف-“، لذلك يقول البقالي “نرد على البلاغ البئيس بالقول إن عمال وولاة وزارة الداخلية يعلمون علم اليقين أن الغالبية الساحقة من الذين ترشحوا لانتخابات مجلس المستشارين سخروا أموالا طائلة للظفر بالمقعد”، قبل أن يوجه أصابع الاتهام إلى الداخلية والسلطة نفسها، حين يشير إلى أن “جزء من هذه الأموال دخلت جيوب العمال والولاة أنفسهم”، موضحا أن “هذه حقيقة يعرفها القاصي والداني”، ولذاك يخلص البقالي إلى أنه “كان الواجب والقانون يحتمان على النيابة العامة فتح تحقيق في هذه الانتخابات برمتها لا أن تقتصر وزارتا الداخلية والعدل على تقديم عينة لاقتراف جريمة أخطر تتمثل في محاولة إضفاء الشرعية والمصداقية على عمل أصله باطل وفاسد”.
وأضاف أن “أخطر ما اقترفته السلطات الحكومية بمناسبة إصدار هذا البلاغ البئيس هو تلاوة أسماء الأشخاص المتابعين في وسائل الإعلام العمومية، بل وتلاوة هذه الأسماء في النشرة الرئيسية للقناة الأولى، ليلة الأربعاء الماضي”، موضحا أن “السلطات الحكومية مارست بهذا الفعل الشنيع تشهيرا خطيرا بأشخاص يعترف البلاغ البئيس نفسه بأنهم لازالوا في مرحلة الاتهام، وخطير جدا أن تخرق وزارة العدل والحريات الوصية على ضمان شروط المحاكمة العادلة وصيانة الحقوق مبدأ قرينة البراءة المقدس، لا يذكر المغاربة أن في زمن الرصاص شيئا من هذا حصل إلى أن حصل في دستور 2011، الذي قيل إنه من أحسن الدساتير في العالم”.
وتساءل البقالي “ماذا لو قضى القضاء ببراءة المتهمين أو براءة عدد منهم، هل ستعتذر وزارتا العدل والحريات والداخلية على هذا الخرق وهل سيرتب وزيرا العدل والداخلية النتائج عن ذلك بإعلان استقالتهما من منصبين استعملا فيه الشطط في ممارسة السلطة؟”.
واتهم وزارة الداخلية بالابتزاز، حين كتب “لا جدال في أن وزارة الداخلية مارست ابتزازا حقيقيا، وهذا هو الابتزاز الحقيقي الذي يمارس في أبشع صوره وتجلياته، وعلى كل حال هذه فرصة نؤكد من خلالها أن الطبقة السياسية الوطنية اعتادت مثل هذه السلوكات الخبيثة والقذرة من أوساط معينة تستخدم الداخلية قفازا في يديها، وهذا ما لم يعد يجدي نفعا”.