من المرتقب أن تكتسي ميزانية سنة 2019 ، التي تنكب الحكومة على إعدادها، طابعا اجتماعيا بامتياز، حيث حددت المذكرة التأطيرية لمشروع قانون المالية، التي وجهها رئيس الحكومة إلى مختلف الوزارات، بشكل واضح التوجهات الرئيسية وأولويات هذا المشروع.
وهكذا، وتنفيذا للتوجيهات السامية للملك محمد السادس، الواردة في خطاب العرش الأخير ، سيتم إيلاء الاهتمام الكامل للقضايا العاجلة التي تهم المواطنين بشكل عام، والفئات الاجتماعية المعوزة بشكل خاص.
ونتيجة لذلك، سيتم وضع سلسلة من التدابير السوسيو- اقتصادية، بتوجيهات من الملك، على رأس قائمة أولويات عمل الحكومة، فضلا عن إنعاش الاستثمار العمومي والخاص والقضاء على كل العقبات التي تعيق النموذج التنموي الحالي للمملكة.
ويتوخى مشروع هذا القانون، في نهاية المطاف، الحد من الفوارق الاجتماعية، والنهوض بالتشغيل وتعزيز الحماية الاجتماعية، ودعم القدرة الشرائية للأسر، وتحسين نظامي التعليم والصحة، وإنجاح الحوار الاجتماعي بين الحكومة ومختلف الشركاء.
وفي هذا السياق، فإن الطموحات الاجتماعية الكبرى التي من المرتقب أن يتضمنها قانون المالية المقبل تعطي صورة عن النموذج التنموي الجديد للمملكة. كما تشكل خارطة طريق حقيقية لكونها ترسم ملامح السياسات العمومية والقطاعية الجديدة بما يتماشى مع الرؤية الملكية وواقع المغرب الحالي، وخصوصا مع انتظارات وتطلعات المواطنين لحياة كريمة.
وعلى الرغم من أن قانون مالية 2019 يرتكز على مقاربة جديدة وينبئ بحدوث تحول هام في عمل الحكومة، فيما يتعلق بسياستها الاجتماعية، إلا أن هذا القانون لن يشكل قطيعة كاملة مع سابقيه في مرحلة يتم التأكيد فيها على ضرورة مواصلة الإصلاحات الكبرى والأوراش المهيكلة الجاري تنفيذها.
ويظهر ذلك من خلال تأكيد رئيس الحكومة في مذكرته التأطيرية حول مشروع قانون المالية لسنة 2019، على ضرورة مواصلة الإصلاحات والاستراتيجيات القطاعية لتهيئة الظروف الملائمة للإقلاع الاقتصادي، وإنعاش الاستثمار وتنمية المقاولة.
فقد دعا سعد الدين العثماني إلى إعطاء الأولوية للسياسات الاجتماعية ولبرامج الحماية الاجتماعية إضافة إلى دعم القدرة الشرائية للطبقة العاملة من خلال وضع آليات دعم جديدة، ومواصلة الحوار الاجتماعي مع مختلف الشركاء للتوصل لميثاق مدته ثلاث سنوات يحافظ على حد سواء على مصالح المواطنين وعلى القدرة التنافسية للاقتصاد الوطني.
وبخصوص قطاع الصحة، أبرز رئيس الحكومة أن ولوج المواطنين إلى خدمات طبية جيدة في ظروف تضمن كرامتهم يظل أحد التحديات الرئيسية في السنوات القادمة، على الرغم من الموارد الهامة التي استفاد منها هذا القطاع.
وعلى ضوء هذا المعطى، ستعمل الحكومة على معالجة اختلالات نظام المساعدة الطبية (راميد) بدءا من السنة المقبلة، وذلك بالموازاة مع القيام بإصلاح جذري للمنظومة الصحية الوطنية، التي تولد تفاوتات صارخة وتعاني من مشاكل خطيرة على مستوى التسيير. كما ستشهد السنة القادمة دخول نظام التأمين الإجباري الأساسي عن المرض الخاص بفئات المهنيين والعمال المستقلين حيز التنفيذ.
وفي الشق المتعلق بالحماية الاجتماعية، يجب أن يأخذ مشروع قانون المالية بعين الاعتبار التزام الحكومة بالانتقال ابتداء من العام المقبل إلى مراجعة شاملة للبرامج والسياسات الوطنية في هذا المجال ومواكبة المرحلة الثالثة من المبادرة الوطنية للتنمية البشرية من خلال تحصين إنجازاتها وإعادة توجيه برامجها لتمكين الفئات الهشة من الاستفادة منها، فضلا عن إطلاق جيل جديد من المبادرات المدرة للدخل وخلق فرص الشغل بهدف تقليل العجز الاجتماعي والحد من الفوارق المجالية.
كما تشمل القضايا التي يجب معالجتها تحسين ظروف الحصول على السكن بالنسبة للفئات الفقيرة والطبقة المتوسطة وتعزيز أنظمة وبرامج الحماية الاجتماعية المخصصة لدعم الأسرة وحماية الطفولة والأشخاص المسنين والأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة.
وفي ما يتعلق بالبطالة، تعتزم الحكومة جعل قضية خلق فرص الشغل أولوية أفقية لجميع السياسات العمومية، انطلاقا من قناعتها القوية بأن حل مشكلة البطالة يمهد لتجاوز العقبات التي تعرقل تحقيق تنمية متناغمة ومتوازنة بالمغرب وضمان حياة كريمة للجميع.
كما يرتقب أن تحرص الحكومة على تنفيذ مضامين المخطط الوطني للتشغيل من خلال إيلاء أهمية بالغة لخلق فرص شغل لائقة في إطار الاستراتيجيات القطاعية، وذلك عبر تسخير الامتيازات الضريبية والجمركية ومختلف أشكال الدعم المباشر وغير المباشر لخلق فرص الشغل.
من الجلي إذن أن التوجه الاجتماعي، الذي سيتم العمل على تكريسه في الأسابيع القادمة، يعكس بوضوح حرص جلالة الملك على إيجاد حلول للتحديات الملحة، والمتمثلة في التقليص من العجز الاجتماعي، وتعزيز العدالة الاجتماعية والحد من الفوارق المجالية.
كما يعكس هذا التحول عزم جلالة الملك الراسخ على كسب رهان القضاء على الفقر والهشاشة وبناء مغرب عادل واجتماعي وديمقراطي.