فوزي بنسعيدي ليس مخرجا فحسب، بل هو أيضا موسيقي تشكل الكاميرا آلته التي يعزف بها سفيونية متناغمة يتصاعد إيقاعها مع كل عمل : الف شهر 2003، ياله من عالم رائع 2006، موت للبيع 2011، إلى أن تبلغ الالحان ذروتها مع عمله الأخير “وليلي”. فتعكس بالتالي، اعمال بنسعيدي وضعية مغربية متفاقمة تزداد حدة أنغامه كلما ضاقت حلقة الأزمة حول عنق شباب يختنق.
يبدأ فيلم وليلى على مشهد لمدينة مكناس كما تراه خادمة كادحة في ربيع العمر تدعى مليكة (نادية كندة)، وكأنه عربون على ان العمل يقف الى جانب هؤلاء البؤساء المستغلين من طرف حفنة أغنياء. وعلى مدى 106 دقيقة يسرد بنسعيدي التطاحن غير العادل بين شريحتين متباعدتين: فقراء منشغلون بأساسيات الحياة وأغنياء تافهون حد الفحش من خلال قصة حب بين عبد القادر (محسن مالزي) ومليكة. يقول بنسعيد : “أنا منحاز للفقراء ضد الأغنياء”، لذلك تتحرك الكاميرا بشكل غير محايدة، تقترب من مليكة حد نقل ادق التفاصيل، وتبتعد عن الآخرين الأغنياء وكأنهم اشباح نحس قهرههم دون ان نراهم.
وإذا كان بنسعيدي يحكي عن واقع مرير فإن حكايته تبقى أولا وأخيرا، دراما تنهل من الواقع دون ان تحاكيه، يقول بنسعيدي : أنا احكي قصصا واقعية لكنها ليست توثيقية او مهووسة بهذا التمرين”. لذلك نجد بنسعيدي يحافظ على لمسته الهزلية الساخرة في “وليلي” على غرار الأعمال سابقة، وكأنه نوع من السخرية على واقع التفسخ والانحطاط حيث تمارس الرأسمالية المتوحشة عنفها بسحق المقهور وتشديد الخناق عليه.
بنسعيدي ليس مخرجا عاديا، بل هو الأكثر خلقا وتأصلا من بين أبناء جيله، حيث ترتبط افلامه بالمجتمع وقضاياه دون ان تتسم بالتعالي او أي نوع من التلصص المرضي لصالح الآخر. بدأ ممثلا وانتقل الى الاخراج في المسرح والسينما، كما انه من قلائل الفنانين المغاربة المتمكنين من أدوات الاخراج وتقنيات الكتابة، لذلك حقق فيلمه الطويل الرابع كل هذا النجاح : شارك في المسابقة الرسمية لمهرجان البندقية بإيطاليا، في دورته الـ 74، حاز على الجائزة الكبرى للفيلم الطويل في الدورة التاسعة عشرة للمهرجان الوطني للفيلم بطنجة (2018) بالاضافة إلى جائزة أول دور رجالي لمحسن مالزي، وجائزة أفضل دور نسائي لنادية كوندة، وجائزة افضل سيناريو لفوزي بنسعيدي. وفي مهرجان الجونة السينمائي 2017 حصلت نادية كندة على جائزة أفضل دور نسائي. كما حصل “وليلي” على التانيت البرونزي للمسابقة الرسمية للأفلام الروائية الطويلة في الدورة 28 لأيام قرطاج السينمائية (2017).
الفيلم يعرض لوضع اجتماعي بنظرة سوسيولوجية يتحكم فيها صراع الطبقات، لكنها نظرة لواقع ما بعد نهاية الايديولوجيا الاشتراكية، وما بعد ربيع عربي أفضى للخراب، حيث انتصر الاغنياء وانهزم الفقراء، وحيث لا أمل في الغد، هي نظرة تشبه تلك التي حملها تيار “البانك” في سبعينات القرن الماضي. واختيار بنسعيدي ل”وليلي” كعنوان لفيلمه، وفضاء لتصوير الزوج مليكة وعبد القادر في انقاض المدينة التاريخية تعبير عن هذا الاندحار الذي نشهده، والمنذر بنهاية وشيكة (NO FUTURE) وموت محتوم حيث لم يعد أمامنا “سوى أن نغرق ونسير نحو النهاية بأناقة” بتعبير الفيلسوف الفرنسي ميشال اونفري.