يستعد الجزائريون، الجمعة، ليوم جديد من المظاهرات للمطالبة برحيل الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، وأعينهم تتجه صوب المجلس الدستوري الذي تخول إليه مهمة إعلان عجز الرئيس، وفقا للمادة 102 من الدستور. وعلى الرغم من مرور 48 ساعة على مطالبة رئيس الأركان أحمد قايد صالح بإعلان شغور منصب الرئاسة، لم يجتمع المجلس الدستوري بعد للبت في ذلك، ما يترك حالة من الضبابية والغموض ودعوات بمواصلة التظاهر في البلاد.
في الوقت الذي رفض فيه قادة حركة الاحتجاجات، التي تنظم مظاهرات سلمية، منذ خمسة أسابيع، الخطة الانتقالية للجيش، وطالبوا بإزاحة النخبة الحاكمة بشكل كامل.
والخميس، نزل مئات المحتجين مرة أخرى إلى شوارع وسط العاصمة الجزائرية، للمطالبة باستقالة بوتفليقة، حيث احتشد مئات الجزائريين مجددا، ولم تقتصر انتقاداتهم على بوتفليقة وحده، وإنما طالت أيضا النظام السياسي الذي تركز طيلة عقود على قدامى المحاربين في حرب الاستقلال عن فرنسا، والتي دارت رحاها بين عامي 1954 و1962، وعلى ضباط الجيش ورجال الأعمال.
واستمر التظاهر ضد النظام في ساحة البريد المركزي، ملتقى كل المحتجين، حيث تجمع مئات المهندسين والمحضرين القضائيين، وردد بعضهم الشعار الذي تبناه الناشطون على شبكات التواصل الاجتماعي “بوتفليقة رايح رايح خذ معاك قايد صالح”.
وكان رئيس أركان الجيش الجزائري الفريق أحمد قايد صالح قد دعا، الثلاثاء إلى تفعيل إجراء دستوري لتنحية بوتفليقة من السلطة، وسرعان ما انضم إليه المسؤولون الذين لطالما تحمسوا لبقاء رئيس الدولة في الحكم.
انفراط عِقد بوتفليقة
وتبين أن الذين شكلوا كتلة متراصة لدفع بوتفليقة إلى الترشح لولاية خامسة، أصبحوا اليوم ينأون بأنفسهم من هذا المطلب الذي كان الشرارة التي أشعلت الاحتجاجات.
فبعد رئيس الأركان، جاء دور حزب التجمع الوطني الديموقراطي، أحد ركائز التحالف الرئاسي الحاكم، لكي يتخلى عن بوتفليقة، من خلال طلب استقالته الذي أطلقه أمينه العام أحمد أويحيى، ورئيس الوزراء المقال قبل أسبوعين.
وحتى الأمين العام للاتحاد العام للعمال الجزائريين، عبد المجيد سيدي السعيد، أحد أكثر المادحين للرئيس والداعين إلى استمراره في الحكم رغم مرضه، أعلن أنّه يدعم اقتراح الجيش بتنحيته.
وأعلن رئيس منتدى رجال الأعمال في الجزائر علي حداد، المعروف بقربه من بوتفليقة، استقالته مساء الخميس من منصبه.
وكتب موقع “كل شيء عن الجزائر” الإخباري الخميس، أنّ أولئك الذين “أيدوه في جميع قراراته وأشادوا بكل أقواله (…) هم أيضا أول من طعنه في الظهر: وحتى قبل أن يسقط بوتفليقة بالكامل، اندفعوا لتسريع سقوطه، دون حياء”، مندّدين بـ”النظام البشع”.
وما زال حزب جبهة التحرير الوطني الذي يرأسه بوتفليقة وصاحب الأغلبية في البرلمان، الوحيد الذي لم يعلن تخليه عن الرئيس، لكن أصوات المنشقين أصبحت مسموعة أكثر فأكثر.
وكما كتب الصحافي مصطفى حموش، الخميس، في تعليق له في صحيفة “ليبرتي”، فإن “السلطة هي التي تخلق الداعمين لها وليس الداعمون من يعطي السلطة”.
ويبدو أنّ مركز السلطة انتقل من رئاسة الجمهورية إلى قيادة الأركان، فمنذ يومين أصبحت صورة الفريق قايد صالح هي التي تتصدّر الصفحة الأولى ليوميّة “المجاهد” الحكومية والتي عادةً ما تؤدّي دور المتحدث باسم السلطة.
وكتبت الصحيفة، الخميس، أن رحيل بوتفليقة “هو الآن بين أيدي المجلس الدستوري، وهو الهيئة الوحيدة لتفعيل” الإجراء الذي اقترحه الفريق قايد صالح لإعلان “ثبوت المانع بسبب المرض الخطير والمزمن” إلا إذا قرّر الرئيس الاستقالة.
ورفضت وجوه عدّة بارزة في الحراك الشعبي، مثل المحامي مصطفى بوشاشي، وكذلك الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان، تفعيل المادة 102 كما اقترح رئيس الأركان، وهي التي تنص على حالات الوفاة والمرض الخطير والاستقالة.
وأوضحت رابطة حقوق الانسان أن الآجال جد قصيرة لضمان تنظيم انتخابات رئاسية حرة ونزيهة، منددة بـ”حيلة أخرى” من السلطة “للإبقاء على النظام الذي رفضه الشعب”.