لقاء أمير المومنين والبابا .. الدلالات والتطلعات

جمال الخنوسي

احتضن المغرب حدثا تاريخيا شديد الأهمية على مدى يومين، تجلى في زيارة البابا فرنسيس الى المملكة ولقاءه بالملك محمد السادس.

هذه الزيارة لا تكتسب أهميتها من لقاء قائدين كبيرين فحسب، بل تمتد إلى رمزيتهما الدينية التي تجعل الاستقبال له أبعاد أخرى لا محدودة.

وكما أعلن عن ذلك منذ اسابيع، همت الزيارة الحوار بين الأديان وقضايا المهاجرين ولقاء الملك والبابا. فمنذ زمن بعيد جدا لم يسمع فيه العالم خطابا دينيا متسامحا اجتمع فيه الاسلام والمسيحية من خلال رمزين دينيين كبيرين : أمير المومنين وقداسة البابا. في المقابل انتشر خطاب التعصب والاصولية وعم سوء الفهم والتشردم.

لكن يوم وصول البابا لارض المغرب، أنصت الجميع الى خطاب سلمي يدعو للتآخي والتآزر. خطاب يمقت العداء ويدعو للتسامح وقبول الآخر. وبالتالي قطع الطريق أمام تجار الحقد وسماسرة الكراهية.

لقد ربط متعصبون كلمة الدين بالدم والقتل، وشكل آخرون ربطا سريعا بين معتقدات روحية والمشاكل الاقتصادية والاجتماعية التي تتخبط فيها مجتمعاتهم. ولعل الحادث الارهابي الاخير في نيوزيلاندا الذي أسقط 50 شهيدا يجعل من توحد الخطاب المتسامح ضرورة ملحة تكسب شرعيتها اليوم اكثر من أي وقت مضى. لذلك قال الملك محمد السادس في خطابه : “تأتي زيارتكم للمغرب، في سياق يواجه فيه المجتمع الدولي، كما جميع المؤمنين، تحديات كثيرة. وهي تحديات من نوع جديد، تستمد خطورتها من خيانة الرسالة الإلهية وتحريفها واستغلالها، وذلك من خلال الانسياق وراء سياسة رفض الآخر، فضلا عن أطروحات دنيئة أخرى ».

وأضاف جلالته الذي خاطب العالم بلغات متعددة: من الواضح أن الحوار بين الديانات السماوية، يبقى غير كاف في واقعنا اليوم. ففي الوقت الذي تشهد فيه أنماط العيش تحولات كبرى، في كل مكان، وبخصوص كل المجالات، فإنه ينبغي للحوار بين الأديان أن يتطور ويتجدد كذلك. لقد استغرق الحوار القائم على “التسامح” وقتا ليس بيسير، دون أن يحقق أهدافه. فالديانات السماوية الثلاث لم توجد للتسامح في ما بينها، لا إجباريا كقدر محتوم، ولا اختياريا من باب المجاملة؛ بل وجدت للانفتاح على بعضها البعض، وللتعارف في ما بينها، في سعي دائم للخير المتبادل”.

ولم يكن اختيار المملكة المغربية أمرا اعتباطيا أو محض صدفة. بل كان المغرب دائما مركزا لحوار الثقافات وبلدا استثناء في التسامح والاعتدال. فقد قام بابا الفاتيكان الأسبق يوحنا بولس الثاني بزيارة مماثلة إلى المملكة المغربية، في عهد الملك الراحل الحسن الثاني في 1985 . كما أن البابا فرانسيس بدوره قال في الخطاب الذي وجهه من باحة مسجد حسان بالرباط : “أود أن أؤكد، من على هذه الأرض، التي تشكل جسرا طبيعيا بين قارتي إفريقيا وأوروبا، على ضرورة توحيد جهودنا من أجل إعطاء دفع جديد لعملية بناء عالم أكثر تضامنا، وأكثر التزاما في الجهد النزيه والشجاع والضروري لحوار يحترم غنى وخصوصيات كل شعب وكل شخص”.

لأجل كل هذا وأكثر يشكل لقاء أمير المومنين والزعيم الروحي لحوالى 1،3 مليار كاثوليكي، تاكيدا على أن عالما اخر ممكن، بعيدا عن الحقد والكراهية ونبذ الآخر.

Total
0
Shares
المنشورات ذات الصلة