شهدت دول عربية عدة، في السنوات الماضية، حركات شعبية أضعفت أنظمة الحكم، وأسقطت أخرى. فمن الجزائر التي تشهد احتجاجات دعمها الجيش، وأدت، في ظرف ستة أسابيع، إلى استقالة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، إلى سوريا التي تمزقها حرب دموية منذ أعوام، تطالب الشعوب بالديمقراطية.
وحدها تونس نجحت في تعزيز ديمقراطيتها، بعد ثماني سنوات على انطلاقة ما سمي بـ”الربيع العربي”، فيما غرقت دول أخرى في حرب أو قمع أو فوضى.
الشرارة التونسية
في 17 دجنبر 2010، حرق بائع متجول نفسه بسبب اليأس والفقر ومضايقات الشرطة، مطلقا انتفاضة شعبية توجت في 14 يناير2011 بسقوط نظام زين العابدين بن علي، الذي حكم البلاد بقبضة من حديد طيلة 23 عاما.
عام 2014، تبنت تونس دستورا جديدا ثم نظمت انتخابات تشريعية فاز فيها حزب نداء تونس المعارض للإسلاميين، مقابل تراجع حزب النهضة الذي كان يملك الغالبية البرلمانية. وفي ديسمبر، انتخب الباجي قايد السبسي رئيسا في اقتراع عام.
وشهدت تونس ثلاث هجمات إرهابية كبرى تبناها تنظيم “الدولة الإسلامية” في العام 2015، لكن الوضع الأمني تحسن. ومن المقرر إجراء انتخابات رئاسية وتشريعية في خريف العام 2019.
قمع في مصر
أما في مصر فبدأت في 25 يناير 2011 احتجاجات حاشدة ضد حسني مبارك، الذي كان يرأس البلاد لأكثر من 30 عاما. وبعد 18 يوما من ثورة شعبية قتل فيها نحو 850 شخصا، سلم مبارك السلطة في فبراير إلى الجيش.
في يونيو 2012، انتخب محمد مرسي مرشح جماعة الإخوان المسلمين، أول رئيس إسلامي للجمهورية في مصر. لكن بعد عام شهد أزمات سياسية واحتجاجات معارضة لسياسته، وأطيح بمرسي الذي عزله الجيش وتولي عبد الفتاح السيسي رئاسة البلاد.
وبات الإخوان المسلمون هدفا لقمع شديد. فبحسب منظمة العفو الدولية المدافعة عن حقوق الإنسان، قتل نحو 1400 شخص خلال 7 أشهر غالبيتهم متظاهرون إسلاميون.
وتتهم منظمات حقوقية السيسي الذي انتخب عام 2014 وأعيد انتخابه عام 2018، بأنه أسس نظاما قمعيا بشدة ضد المعارضة العلمانية أيضا والإعلاميين والناشطين.
اليمن على حافة المجاعة
في 27 يناير2011، بدأ احتجاج شارك فيه عشرات الآلاف من اليمنيين مطالبين برحيل الرئيس علي عبدالله صالح. وسلم الأخير السلطة في فبراير 2012 لنائبه عبد ربه منصور هادي، بعد 33 عاما من الحكم.
في 2014، استولى الحوثيون على مناطق واسعة في البلاد بينها العاصمة صنعاء. في مارس 2015، تدخلت السعودية على رأس تحالف عسكري، في النزاع اليمني من أجل وقف تقدم الحوثيين.
ومنذ ذلك الحين وعدد القتلى لا يحصى، و يعيش الملايين على حافة المجاعة.
احتجاجات البحرين
في 14 فبراير 2011، تجمع متظاهرون في دوار اللؤلؤة في المنامة للمطالبة بإصلاحات سياسية، وبتمثيل سياسي أفضل للغالبية الشيعية في البلاد، التي تحكمها ملكية سنية. وتواصل الاحتجاج قرابة شهر قبل أن يقمع المتظاهرون بالقوة. وتعيش المملكة الصغيرة منذ ذلك الحين اضطرابات متفرقة.
وتزايدت المحاكمات بحق المعارضين، وتستنكر جمعيات الدفاع عن حقوق الإنسان تلك المحاكمات غير المنصفة. والمئات من المعارضين موجودون حاليا في السجن وبعضهم سحبت منهم الجنسية البحرينية.
فوضى ليبيا
من 15 إلى 17 فبراير 2011، انطلقت احتجاجات غير مسبوقة ضد نظام معمر القذافي قمعت بعنف خصوصا في بنغازي في شرق البلاد. وتحولت الانتفاضة إلى نزاع مسلح أدى في غشت إلى سقوط طرابلس بدعم عسكري من حلف شمال الأطلسي. وفي 20 أكتوبر، قتل القذافي في سرت المدينة التي ولد فيها، لدى محاولته الهرب.
وهناك في البلاد حاليا سلطتان متنازعتان: حكومة الوفاق الوطني مقرها طرابلس ومعترف بها دوليا، وحكومة أخرى موازية في شرق البلاد.
والبلاد ممزقة أيضا بنزاعات بين عدد كبير من المجموعات المسلحة. واحتل تنظيم “الدولة الإسلامية” المتطرف لأشهر مدينة سرت قبل أن يطرد منها أواخر عام 2016.
سوريا الممزقة بالحرب
تعيش سوريا حربا مدمرة، منذ ثماني سنوات، قتل فيها 370 ألف شخص ونزح جراءها 13 مليونا.
ففي 15 مارس 2011، خرج عشرات الأشخاص إلى شوارع دمشق منادين “حرية”. وامتدت التظاهرات المطالبة بإصلاحات ديمقراطية إلى مناطق أخرى في البلاد التي تحكمها عائلة الأسد منذ عام 1971. وخلف بشار الأسد والده حافظ عام 2000 بعد وفاته.
وما لبث أن تحولت الانتفاضة إلى حرب دامية في عام 2012. بين عامي 2013 و2014، اكتسبت جماعات إسلامية متطرفة مثل جبهة النصرة المتفرعة عن تنظيم القاعدة، وتنظيم “الدولة الإسلامية” الكثير من القوة، ما حول انتباه العالم عن المعارضين، إذ بات منهمكا في كيفية القضاء على الجهاديين.
وبدعم روسيا وإيران وحزب الله اللبناني، تمكن النظام السوري من استعادة الأراضي التي سيطر عليها المعارضون وبعض أراض من تنظيم “الدولة الإسلامية”، وهو يسيطر حاليا على ثلثي البلاد.
في 23 مارس 2019 أعلنت قوات سوريا الديمقراطية المدعومة من التحالف الدولي الذي تقوده واشنطن، وفي ختام هجوم طويل انتهاء “الخلافة” التي أعلنها التنظيم المتطرف في مناطق كان قد سيطر عليها في العراق وسوريا.
مظاهرات حاشدة في الجزائر
في 22 فبراير 2019، نزل الآلاف إلى الشوارع في مختلف أنحاء البلاد للاحتجاج ضد ترشح عبد العزيز بوتفليقة لولاية رئاسية خامسة، بعدما حكم البلاد منذ 1999. ويعاني بوتفليقة منذ 2013 من تداعيات جلطة دماغية أقعدته.
وعدل بوتفليقة عن الترشح في 11 مارس، وأرجأ الانتخابات الرئاسية التي كانت مقررة في 18 أبريل إلى أجل غير مسمى. ودفع ذلك الجزائريين إلى مواصلة الاحتجاج غير المسبوق في البلاد.
وفي 26 مارس طلب رئيس أركان الجيش الجزائري الفريق أحمد قايد صالح اللجوء إلى مخرج دستوري للأزمة عبر تطبيق المادة 102 من الدستور التي تحدد إجراءات إعلان “ثبوت المانع” لرئيس الجمهورية وعدم أهليته ممارسة مهامه.
في فاتح أبريل، أعلنت الرئاسة الجزائرية أن بوتفليقة سيستقيل قبل انتهاء ولايته الرابعة في 28 أبريل.
في الثاني من أبريل، دعا قايد صالح إلى “التطبيق الفوري للحل الدستوري” الذي يتيح عزل الرئيس. ووفق الجيش فإن البيان الذي صدر الاثنين عن الرئاسة، في فاتح أبريل، معلنا استقالة بوتفليقة قبل انتهاء ولايته “كان من جهات غير دستورية وغير مخولة” ولم يصدر عن رئيس البلاد.
بعيد ذلك، نقلت وسائل الإعلام الجزائرية الرسمية مساء الثلاثاء أن بوتفليقة أبلغ المجلس الدستوري باستقالته اعتبارا من اليوم نفسه.
وأثبت المجلس الدستوري الأربعاء الشغور النهائي لرئاسة الجمهورية.