الباحث في الحركات الإسلامية الكنبوري :”بي جي دي”و”بام” يناسبان مرحلة محمد السادس

أفرزت نتائج الانتخابات الجهوية والجماعية في 4 شتنبر من العام الجاري، تباينا بين وجهات النظر حول طبيعة الوضع السياسي بالمغرب. فهذه الانتخابات تعتبر مؤشرا استشرافيا لما ستؤول إليه الانتخابات البرلمانية المقبلة في سنة 2016. لكن وبغض النظر عن الأرقام وما تخلل ظروف إجرائها، إلا أن أبعادها ودلالاتها استوقفت الباحثين السياسيين والمتتبعين والرأي العام، وكشفت أيضا عن مكامن الخلل والقوة للحالة الحزبية في المغرب. عُرفت القوى اليسارية في عهد سابق، ما قبل حكومة التناوب، بحضورها الوازن في التمثيليات البرلمانية وفي المناسبات الوطنية والعربية الكبرى. وكان الاتحاديون منهم يفرضون وجودهم في الشارع، ويتقدمون المراتب الأمامية بلغة الأرقام. لكن والذي أصبح ظاهرا؛ بدءا من الانتخابات التشريعية لسنة 2007، حين ولج الإسلاميون ساحة الصراع السياسي المؤسساتي (التمثيلية البرلمانية)، وصولا إلى نتائج ما عرف بسياق الربيع العربي، أي بعد خطاب الملك آنذاك ودستور 2011؛ الذي أفرز انتصار حزب العدالة والتنمية في الانتخابات البرلمانية في 25 نونبر 2011. انتهى المطاف بتراجع اليسار المغربي أمام تقدم الإسلاميين عند كل محطة انتخابية. الشيء الذي دفع بعض قوى اليسار أن تحاول النظر في ما وصل إليه بكل الوسائل، فأعلنت بعض الأحزاب المندرجة تحت لواء اليسار سنة 2014 توحدها في تحالف أطلق عليه “فيدرالية اليسار الديمقراطي”، وظل منتظرا التحاق باقي القوى به. لكن الأمر لم يكن كافيا، بعد ذلك، فالقوى اليسارية الأخرى والبارزة، كحزبي الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، والتقدم والاشتراكية. منيت بهزيمة سياسية في نتائج الانتخابات الجهوية والجماعية في 4 شتنبر 2015، إزاء تقدم العدالة والتنمية غريمها الأيديولوجي.

أمام هذا الوضع الذي آل إليه اليسار، ومحاولة منه لمّ شتاته وتأتيت بيته الداخلي، وأمام تقدم الإسلاميين وإمكانية مواجهة تحالف قوى اليسار مستقبلا، طرحنا هذه الأسئلة على المحلل السياسي والمتخصص في الحركات الإسلامية الأستاذ إدريس الكنبوري، وهذا نص الحوار:

تابعنا مؤخرا عبد الرحمن اليوسفي يدعو إلى وحدة اليسار.. وكذلك مشاركة الاتحاد الاشتراكي في مسيرة تضامنية مع فلسطين. هل هذا مؤشر إلى عودة الاشتراكيين إلى الساحة والى واجهة الأحداث، لا سيما بعد الذي آلت إليه الانتخابات الأخيرة ؟ وهل سنشهد تغييرا سياسيا داخل الأحزاب نفسها ؟
ربما كانت دعوة اليوسفي إلى وحدة اليسار وعودته إلى الساحة السياسية من خلال إحياء ذكرى اختطاف المهدي بن بركة بعد غياب طويل محاولة لتوجيه رسائل إلى الاتحاديين داخل حزب الاتحاد الاشتراكي لكي يعيدوا النظر في الحزب، نظرا للخلاف الموجود بينه وبين الكاتب العام للحزب إدريس لشكر، الذي توجه إليه انتقادات كثيرة في ما يتعلق بما آل إليه وضع الحزب. وأعتقد أن اليوسفي تصرف بناء على أن هناك مشروعية اتحادية، يمثلها هو من خارج الحزب، ومن يمكن أن يكون معه من داخله، ومشروعية حزبية يمثلها الحزب الحالي بقيادة لشكر. فوحدة اليسار لا بد أن يسبقها ترتيب الأوضاع داخل الأحزاب اليسارية الموجودة أولا، وعلى رأسها الاتحاد الاشتراكي، إذ لا يمكن تحقيق وحدة في ظل يسار يعيش مشكلات كبيرة داخل أجهزته الحزب.

ما الذي ساعد في نظركم في تقدم الإسلاميين في الانتخابات الأخيرة ؟ وهل لا يزال حزب العدالة والتنمية مهتم بصورته الأيديولوجية في الساحة الإعلامية، كالانتصار الى القضايا التي تدعو الى حقوق الإنسان او المساواة، والمرأة وغيرها؟

لقد فاز حزب العدالة والتنمية في الانتخابات لأن الأحزاب الأخرى لم تعد تحظى بالثقة لدى المواطنين، بسبب صراعاتها الكثيرة وانخفاض خطابها السياسي وتراكم أخطائها خلال عقود من الممارسة السياسية وتدبير الشأن العام، بينما حزب العدالة والتنمية ما يزال حزبا فتيا بالرغم من أنه يقود الحكومة، وما يزال قادرا على إنتاج خطاب سياسي قادر على الإقناع بالنسبة لشريحة عريضة من المواطنين. لكن لا يجب أن ننسى أيضا أن حزب الأصالة والمعاصرة حقق تفوقا في هذه الانتخابات، وكان المنافس الأول لحزب العدالة والتنمية، ومهما كانت القراءات لهذا التفوق للحزبين إلا أن نتائج الانتخابات أظهرت لأول مرة ـ كما قلت في حوار مع جريدة جزائرية عشية الانتخابات ـ بأنها كانت نهاية أحزاب الحركة الوطنية، فلأول مرة نصبح أمام قطبين حزبيين متنافسين بعد أن كان التنافس قائما في الانتخابات السابقة خلال الثمانينات والتسعينات بين حزبي الاستقلال والاتحاد الاشتراكي. إن قطبي الاتحاد الاشتراكي وحزب الاستقلال كانا يناسبان مرحلة الحسن الثاني، وقطبي العدالة والتنمية والأصالة والمعاصرة يناسبان مرحلة محمد السادس. ولا أعتقد أن فوز العدالة والتنمية يعود إلى مرجعيته الدينية، فالاستقطاب الموجود بين الأحزاب السياسية على المستوى الإيديولوجي ليس موجودا وسط المجتمع، لأن المجتمع المغربي مجتمع مسلم، والذين يصوتون على الأحزاب الأخرى هم مغاربة مسلمون ومتدينون، فنحن لسنا في بلد يعيش انقساما دينيا أو مذهبيا أو عرقيا، كما في بعض بلدان الشرق الأوسط، لذلك فلا يعني التصويت ضد العدالة والتنمية مثلا أن الشخص غير متدين أو غير مسلم. إذن المرجعية الدينية لم تكن المحدد الأساسي في التصويت، بل أعتقد أن الموقف السلبي من الأحزاب الموجودة هو ما أدى إلى هذا التصويت الكبير على العدالة والتنمية، خصوصا في المدن، حيث ارتفاع نسبة الوعي السياسي وتراجع القناعات التي كانت موضوعة على الأحزاب التقليدية، وبشكل خاص وسط الطبقات المتوسطة، ولذلك فإن هذا التصويت كان في جزء منه تصويتا عقابيا ضد الأحزاب الأخرى.

باعتباركم متخصصا في الحركات الإسلامية، هل من الممكن أن تتحول جماعة العدل والاحسان الى حزب سياسي مستقبلا، واذا تم ذلك، ما السيناريو المحتمل الذي سيجمعه مع العدالة والتنمية، كتحالف إسلامي مواز على غرار اليساري مثلا ؟

ـ جماعة العدل والإحسان حاضرة من خلال العمل النقابي والجمعوي، وهي تعتبر أن تلك المشاركة نوع من الحضور داخل المجتمع الذي تراهن عليه، وفقا لأدبياتها، بحيث تسعى إلى التغلغل أكثر في جسم النقابات والهيئات والمنظمات المتواجدة لأنها ترى أن ذلك من طبيعة عملها، ونسج علاقات أوسع مع الأطراف الفاعلة في المشهد النقابي والجمعوي والسياسي، لكن مسألة تأسيس حزب فهذا جد مستبعد، لأن قانون الأحزاب ينص على عدم الترخيص لأي حزب يتأسس على أساس ديني، حتى لو تعلق الأمر بتقدم أشخاص من الجماعة بطلب تأسيس حزب لا علاقة له بهذه الأخيرة، لأن هناك تخوفا من أن يصبح ذلك الحزب مستقبلا الواجهة السياسية للجماعة، ويعلن ولاءه لها بعد أن يصبح قانونيا، لذلك فأنا أعتقد أن الرهان مطروح على الجماعة نفسها، لكي تحصل على ثقة الدولة فيها كجماعة أحدثت تغييرا في مواقفها الكلاسيكية المعروفة من الدولة والمؤسسات.
وحتى الآن لا تزال الجماعة تحترم قواعد اللعبة في المجتمع، وقد أظهرت أثناء الربيع العربي وحركة 20 فبراير أنها حركة غير مغامرة، ولذلك فهي تلعب دورا غير مباشر في تحصين المجتمع المغربي من بروز حركات متطرفة تلجأ إلى العنف من مدخل المطالب السياسية، فحتى وإن كانت جماعة العدل والإحسان توضع في خانة الجماعات المتشددة لدى البعض، بسبب مواقفها، إلا أنها جماعة يمكن وضعها في خانة الحركات المعتدلة بسبب آليات عملها غير الميالة إلى العنف والتطرف.

Total
0
Shares
المنشورات ذات الصلة