استعرض فيصل العرايشي، الرئيس المدير للشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة، و”صورياد دوزيم”، بحضور محمد الأعرج، وزير الثقافة والاتصال، يوم الخميس 25 يونيو 2019، بالقاعة المغربية لمجلس النواب، مختلف مؤشرات وضعية القطب الإعلامي العمومي، وتحدياته الراهنة، وكذلك موقفه في عدد من القضايا المتعلقة بالقطاع، وذلك جوابا عن أسئلة النواب البرلمانيين أعضاء لجنة التعليم والثقافة والاتصال.
قياس نسب المشاهدة
بعدما نوه الرئيس المدير العام باجتماع اللجنة لطرحها قضايا تهم المغاربة، خصوصا تحديات قنواتهم الإعلامية العمومية الوطنية في ظل التحولات التي يعرفها المغرب، توقف عند موضوع قياس نسب المشاهدة بالمغرب، فـأوضح أن العملية تتم من قبل مكتب مختص منذ سنة 2008، وذلك من خلال عينة علمية دقيقة تمثيلية للمجتمع المغربي واختيرت بناء على المؤشرات التي تصدر عن المندوبية السامية للتخطيط، وتتكون من 1000 أسرة تم تجهيزها بآلية إلكترونية.
وأكد فيصل العرايشي أن تلك الآلية تمد وحدة مركزية بكافة معطيات مشاهدة التلفزيون لدى هذه الأسر، بنسبة خطأ ضئيلة جدا، خصوصا أن مراقبين ميدانيين يقومون بمطابقة المعطيات المتوصل بها بلقاءات مباشرة مع الأسر المشاركة، ما يتيح نتائج لقياس المشاهدة تفيد كلها أن الأغلبية الساحقة من الأسر المغربية مرتبطة بقوة بالقنوات التلفزيونية الوطنية، علما أن لديها خيار واسع من القنوات الفضائية.
انتقاء برامج الإنتاج الخارجي والمشترك
وتطرق الرئيس المدير العام كذلك لموضوع مساطر انتقاء برامج الإنتاج الخارجي والمشترك، فشدد على أن الإدارة العامة لا سلطة لها في هذا الموضوع بقوة القانون، إذ أن المادة 193 من دفتر تحملات الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة، تحدد بوضوح وتفصيل أن عملية الانتقاء تقوم بها لجنة انتقاء معينة من قبل المجلس الإداري، تشتغل بكل استقلالية، وبعد أن يتلقى المجلس الإداري نتائج مداولاتها، وفي حالة مصادقته عليها، يأمر مسؤولي الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة بتنفيذها.
وتسلمت اللجنة البرلمانية من الرئيس المدير العام عرضا مفصلا في هذا الصدد، ومن ضمن محتوياته المعطيات المتعلقة بعمل لجنتي الانتقاء بالشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة، وبـ”صورياد دوزيم”، وفيها أن لجنة الانتقاء الخاصة بالشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة قامت خلال فترة خمس سنوات بدراسة أزيد من 2600 مشروع خلال أكثر من 910 يوم عمل تم تكريسها لدراسة المشاريع، ما أسفر عن اختيار 360 مشروعا من بين 87 % من المشاريع التي نجحت في اجتياز المرحلة الإدارية من عملية الانتقاء، ومنذ 2013 تم الاشتغال مع 86 شركة إنتاج، ولا يتعدى معدل فوز الشركة نفسها بأكثر من مشروع خلال نفس السنة 1.7 مشروع.
أما لجنة الانتقاء الخاصة بـ”صورياد دوزيم” خلال الفترة من 2013 إلى 2018، فقد حظي 1024 مشروعا بالدراسة من طرفها، وذلك خلال مدة إجمالية بلغت 1219 يوم عمل منذ مرحلة فتح الأظرفة إلى غاية إعلان النتائج. وفي الوقت الذي نجحت فيه 92 % من تلك المشاريع من اجتياز المرحلة الإدارية، تمكنت 32 % منها من الاستجابة لشروط المرور إلى المرحلة التقنية والفنية، التي انتهت باختيار اللجنة لـ177 مشروعا، تعود إلى 66 شركة إنتاج صغيرة ومتوسطة من أصل 159 شركة شاركت في العملية، ولا يتعدى معدل فوز الشركة نفسها بأكثر من مشروع خلال نفس السنة 1.4 مشروع.
وأضافت المعطيات أنه منذ بداية تطبيق المسطرة المنصوص عليها في المادة 193 من دفتر تحملات الشركة الوطنية، والمادة 62 من دفتر تحملات القناة الثانية “دوزيم” انخفض عدد الشركات التي نجحت مشاريعها في نيل الصفقات بعد المرور من مختلف مراحل الانتقاء من 118 سنة 2012 إلى 38 شركة في سنة 2013، بالنسبة إلى الشركة الوطنية، ومن من 40 شركة سنة 2012 إلى 25 شركة في سنة 2013 بالنسبة إلى القناة الثانية “دوزيم”.
حقوق بث كأس إفريقيا للأمم 2019
وأحاط الرئيس المدير العام النواب البرلمانيين علما بتفاصيل عدم تمكن الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة من بث مباريات المنتخب الوطني لكرة القدم في كأس أمم إفريقيا 2019 بمصر، فأبرز أنه طبقا لمضامين عقد البرنامج الأول والثاني بين الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة والحكومة، تقوم هذه الأخيرة بمنح ميزانيات نقل التظاهرات العالمية الكبرى للقطب الإعلامي العمومي، بعد مناقشة هذه التظاهرات حالة بحالة، باعتبارها أحداثا استثنائية تمول تكاليفها عبر اعتمادات مالية ظرفية تخصصها الحكومة لهذا الغرض، ولا تدخل ضمن ميزانية التسيير السنوية للشركة التي يقرها مجلسها الإداري.
وتبعا لذلك، فإن الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة لم تتوصل بالميزانية الظرفية التي تمكنها من شراء حقوق بث مباريات كأس إفريقيا 2019، كما أنه لم يكن ممكنا للمجلس الإداري للشركة إدراجها ضمن الميزانية السنوية الخاصة بها، لسببين موضوعيين مرتبطين، وهما عدم التأكد سلفا من تأهل المنتخب الوطني المغربي للبطولة، وعدم الاطلاع مسبقا على الثمن المطلوب لشراء حقوق البث.
ورغم هذه الوضعية، واستحضارا للاهتمام الشعبي بهذا الحدث، بادرت الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة إلى تقديم عرض لشراء هذه الحقوق، على الأقل لمباريات المنتخب الوطني، إلى إدارة الشركة المالكة لحقوق بث كأس إفريقيا في المنطقة، وهي “بيين سبورت”، وذلك بعرض مالي في حدود مليار سنتيم، لكن هذه الأخيرة طلبت 12 مليار سنتيم من أجل البث الأرضي لـ12 مقابلة فقط، ومن اختيارها.
وقد استحالت هذه المفاوضات، لأن باقي الدول الإفريقية، باستثناء دول شمال إفريقيا، حصلت على حقوق البث من الاتحاد الإفريقي لكرة القدم (الكاف) مقابل 250 ألف دولار عن طريق الاتحاد الإفريقي للإذاعات، وهو سعر أقل 48 مرة عن السعر المحدد بالنسبة للمغرب، كما أن رقم معاملات مبيعات الإشهار لذلك العدد من المباريات لن يتجاوز 15 ٪ في المائة من قيمة المبلغ المحدد لحق البث الأرضي (12مليار سنتيم)، علما أن 95% من الأسر المغربية تشاهد التلفزيون عبر البث الفضائي وليس بالبث الأرضي.
ورغم أن الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة عضو فاعل في الاتحاد الإفريقي للإذاعات، فقد حرمت الشركة أيضا، من الحصول على حقوق البث عبره، لأنه مفروض على دول شمال إفريقيا من طرف المالك الأصلي لحقوق البث، اقتناءها من “بيين سبورت” باعتبارها المالك الحصري لها في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
ويعد هذا الأمر إشكالية حقيقية تدفع إلى التساؤل عن سر هذا التقسيم والتمييز الذي يمس بالعدالة والمساواة والإنصاف بين الدول الإفريقية، بالنظر للحق المشروع للمغاربة في متابعة منتخباتهم الوطنية؛ خصوصا أن المغرب يبذل مجهودات جبارة في التحضير لهذه المناسبات القارية وضمان الظروف الضرورية لنجاح المشاركات الوطنية فيها.
استراتيجية التحول الرقمي
وأبرز فيصل العرايشي، بخصوص وضعية التلفزيون العمومي المغربي وتحدياته، أنه يتمتع بأداء استثنائي في محيطه الإقليمي والدولي، إذ ينجح القطب الإعلامي العمومي في تقديم خدماته واستقطاب المشاهدين المغاربة، رغم المنافسة الشديدة، والتي تتميز بوجود عرض مغر جدا من القنوات، يضم أكثر من 1200 قناة فضائية.
وأبرز عرض الرئيس المدير العام أنه في سنة 2019، استحوذت القنوات الوطنية العمومية على 59.1 % من معدل حصة المشاهدة خلال فترة الذروة بالمغرب و51.8 % على مدار اليوم، وهو معدل يبقى استثنائيا في العالم، فعلى سبيل المقارنة، تبلغ حصة القطب العمومي المحلي في شمال إفريقيا 12 % والشرق الأوسط 9.3 % في أكثر من 14 دولة في المنطقة، أما في أوروبا، وتحديدا في 36 دولة، فتبلغ حصة السوق من القنوات الوطنية المحلية في المتوسط حوالي 26.4%.
وأفاد العرض ذاته أنه إذا كان التلفزيون العمومي المغربي، وفي ظل طفرة الإعلام الرقمي والأدوات الجديدة لمشاهدة التلفزيون، يحقق نجاحا كبيرا، إلا أنه أمر لم يمنع إدارة القطب العمومي الوطني من إرساء سياسة للدراسات القياسية والاسترشادية، بما يكفل مواكبة التحولات المتسارعة التي يشهدها العالم على هذا الصعيد (الاتجاهات الجديدة في مجال الدراما والبرامج الترفيهية، أفضل الممارسات الجديدة على مستوى أدوات وقنوات بث المحتوى…)، ما أسفر عن اعتماد استراتيجية للحضور الرقمي، متجددة ومواكبة للتغيرات.
وارتباطا بهذه الاستراتيجية، أكد الرئيس المدير العام أنها تبتغي أساسا تقريب الخدمة الإعلامية العمومية من الشباب، باعتبار ذلك من أبرز التحديات راهنا، ومن أجل هذا الغرض أحدثت الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة قبل فترة مديرية خاصة بالحلول الرقمية، تعمل على تنفيذ عدد من المشاريع الجديدة والمبدعة والمبكرة، سترى النور قريبا، في إطار استراتيجية التحول الرقمي المعتمدة من قبل الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة.