مع الدورة 18 من المهرجان الدولي للفيلم بمراكش، سنكون قد ختمنا العشرية الأولى من القرن 21. وهي حقبة زمنية تميزت بظهور منصة نيتفليكس التي قلبت موازين السينما وجعلت الفن السابع يسائل نفسه مرة أخرى: ماهي السينما؟ ما هو الفيلم؟ وهل نيتفليكس عدو أم صديق لهذا الفن الذي قاوم وتجدد باستمرار؟
ولم يسلم مهرجان مراكش بدوره من ظهور الوحش الأمريكي وحاول منذ الدورة 17 التعامل معه على غرار المهرجانات العالمية الأخرى، حيث ولجت إنتاجات نيتفليكس برمجة السنة الماضية من خلال عرض فيلم “روما” للمخرج المكسيكي ألفونسو كوارون.
وفي دورة 2019 التي ستنطلق يوم غد الجمعة 29 نونبر 2019، تحضر المنصة المثيرة للجدل، بقوة أشد من خلال الفيلم الحدث “الايرلندي” للمخرج مارتن سكورسيزي، وفيلم أطلنتيك للسينغالية ماتي ديوب (كموزع)، و”قصة زواج” للمخرج نوح بومباك، خارج المسابقة الرسمية، إذ يبقى موقف المهرجان من نتفليكس حذرا “في منزلة بين المنزلتين”: بين موقف مهرجان كان الذي تراجع بشكل شبه قطعي عن مشاركة أفلام المنصة الأمريكية، وموقف مهرجان البندقية الذي تشارك أفلام نتفليكس في مسابقته الرسمية وتظفر بالجوائز دون أدنى حرج أو تحفظ.
وعلى ما يبدو فإن هذا الموقف اختيار استراتيجي لإدارة المهرجان حيث لابد من استحضار تصريح فيصل العرايشي، نائب الرئيس المنتدب لمؤسسة المهرجان الدولي للفيلم بمراكش، لموقع احاطة.ما، خلال الدورة السابقة حيث قال: “هناك حضور قوي لنيتفليكس في المهرجان : أولا من خلال مساهمتها في فقرة “ورشات الأطلس”. وثانيا، من خلال عرض افلام من انتاجها وعلى رأسها فيلم “روما” للمخرج المكسيكي ألفونسو كوارون الذي فاز بجائزة الأسد الذهبي في مهرجان البندقية السينمائي الأخير.
النقاش إذن حول هذه المنصة المثيرة للجدل، مسألة صحية وندعو المهتمين والنقاد والمهنيين الى التفكير في الواقع الجديد الذي تفرضه التكنولوجيا، ومثل هذه التجارب. بل أكثر من هذا، فإن الواقع الجديد يجعلنا نسائل كينونة السينما في حد ذاتها، والتفكير في إعادة تشكيل تعريف العمل الفني السينمائي برمته. ومهرجان مراكش الذي يعد الانفتاح أحد أهم سماته لا يمكنه أن ينغلق على ذاته ويكتفي بالسينما الكلاسيكية ويدير ظهره للمستقبل.
هذا ليس تطبيعا، بل هو تعامل منطقي مع حقيقة المهنة. فنتفليكس أصبحت اليوم من بين اكبر الشركات المنتجة في العالم للأفلام، وبالتالي نحن مطالبون بالانفتاح عليها او سيتجاوزنا الزمن. فمهرجان عريق مثل “كان” أعاد النظر في حساباته ويعتزم السماح بعودة افلام المنصة الشهيرة السنة المقبلة. يجب ان نكون واقعيين ونعترف بالتطور الذي يفرض نفسه.
لا ننسى أن نيتفليكس أمامها فرصة كبيرة للتطور في افريقيا وأمامها أفضل اختيار لاطلاق مشروعها لأن المغرب بلد السينما، يشجع الفن السابع وينتج افلاما بوتيرة محترمة وأمامه آفاق واعدة. هذه فرصة ثمينة أيضا بالنسبة للسينمائيين والمهنيين المغاربة، للاستفادة من حضور نتفليكس في مهرجان مراكش عبر عرض مشاريع مشتركة خصوصا بالنظر الى قدراتها التمويلية الهائلة”.
وكما السنة الماضية تحضر نيتفليكس كشريك ضمن فقرة ورشات الأطلس، وهي محاول من إدارة المهرجان للاستفادة بشكل جيد من القوة الإنتاجية للمنصة، مقابل حضورها المتزايد في مختلف الفقرات الأخرى، ولم لا مشاركتها في المسابقة الرسمية في الدورات المقبلة.
هل نيتفليكس صديق للسينما أم عدو لها؟ سؤال لم يعد له اليوم مكان بعد أن أصبحت المنصة الشهيرة نموذجا يحتذى به، وسهلت ميلاد منصات شبيهة مثل أبل تيفي بلوس وأمازون برايم فيديو..
هل هي نهاية الفن السابع إذن؟
بالطبع لا، فقد علمنا تاريخ السينما أنها فن عنيد لن يرفع الراية البيضاء بسهولة.