يعتبر التقرير السنوي، “التيارات الأطلسية”، واحدا من أبرز الأعمال التي يصدرها “مركز السياسة من اجل جنوب الجديد”، فيما يخص دراسة وتحليل القضايا العالمية الرئيسية من منظور الجنوب. وسيقدم جزأ من مؤلفي التقرير، هذا العام في 12 ديسمبر بمراكش، موجزا عن ال 160 صفحة والتسع فصول المكونة لإصداره السادس وذلك قبل افتتاح النسخة الثامنة من مؤتمر الحوارات الأطلسي.
واتساقا مع موضوع المؤتمر، “الجنوب في عصر الاضطرابات”، ورؤية المركز، “التعبير عن آراء الجنوب على الساحة الدولية”، يسلط تقرير هذا العام الضوء على التحديات الجديدة التي تواجه المحيط الأطلسي جنوبا وشمالا.
من الدولية إلى المحلية
سيناقش إصدار التيارات الأطلسي لسنة 2019 التحديات الحالية التي يواجهها جنوب المحيط الأطلسي، على الصعيد الدولي والمحلي. وقد سطر كل من كريم العيناوي، رئيس مركز السياسات، وبشرى رحموني، مديرة البحث والشراكات والفعاليات، في مقدمتهما على ذلك اذ يوضحا أن: ” الإصدارات السابقة بينت كيف تنقسم هذه المنطقة، التي لم تتم دراستها بشكل كاف، الى منطقة مضطربة في الشمال، ومنطقة تتصف بضعف اقتصادي وسياسي واجتماعي متزايد في الجنوب”. كما شددا على “تعزيز الحوار والبناء لتفاهم أفضل كأوراش أساسيه وذات أولوية لمساعدة بلدان المحيط الأطلسي على التغلب على هذه الانقسامات ونقاط القطيعة والسير سويا نحو التنمية المستدامة”.
من خلال فصوله ال 9، يناقش تقرير التيارات الأطلسي أسئلة جوهرية حول “نظام ما بعد أمريكا”، والنظام التجاري القائم على قواعد “فرص النجاة”، و “الدبلوماسية الثقافية” و “مستقبل الاتحاد الأوروبي”، قبل أن يتطرق إلى المشاكل المتعلقة بجنوب المحيط الأطلسي، مثل “توسع التمرد في الساحل وعلامات القلق في غرب إفريقيا الساحلية” و “الصين وإفريقيا في عصر الاضطرابات”، من بين قضايا أخرى.
وقد خاض الخبراء وكبار الباحثين في مركز السياسات، من منطقة البحر الكاريبي وكوستاريكا والمغرب وفرنسا والبرازيل، خضم قضايا الأطلسي الاقتصادية والدبلوماسية والثقافية، أخذين بيعين الاعتبار الرؤية الأوسع التي وضعتها أمينة توري، رئيسة وزراء السنغال السابقة، في مقدمتها: “إفريقيا التي نريدها هي إفريقيا متكاملة، لشبابها ولنسائها ايمان وأمل حقيقي في مستقبلهم، يصبون إلى مستوى أفضل من الرخاء والرفاهية، تاركين بالتالي وراءهم أي إحساس بالخوف والقلق والتهميش والإقصاء والإيذاء في حياتهم اليومية.»
النساء في الواجهة. . .الحكامة العالمية ومستقبل الاتحاد الأوروبي
بمشاركة نزهة الشقروني (من المغرب)، باحثة في مركز السياسات، التي تقدم منظورا فريدا عن “قيادة المرأة في إفريقيا”، يضرب التقرير مثالا للتمثيلية النسوية وضرورة افساح المجال لإسهامات النساء في قضايا تهمهن بنفس القدر، وربما أكثر.
وفي فصله المعنون “الحكامة العالمية في عالم ما بعد أمريكا”، افتتح لين إسماعيل (سانت لوسيا)، السفير السابق لدول شرق البحر الكاريبي لدى مملكة بلجيكا والاتحاد الأوروبي، التقرير بملاحظات حول انحصار دور الولايات المتحدة في القيادة الغربية وعواقبها على الجنوب: “بينما تستمر البنى الدولية في التبلور والتطور، فإن رسالة دول الجنوب بسيطة: لا تجعلونا نختار! إن ديناميات القوة المتغيرة ونظرة الولايات المتحدة إلى الصين كمنافس ومهدد، بدلا من شريك، تدفع العديد من البلدان الى الشعور بأنها مجبرة على الاختيار بين جانب أو آخر.”
وفي فصل اخر، تدرس وزيرة التجارة السابقة في كوستاريكا، أنابيل جونزاليس، المخاطر التي تواجه منظمة التجارة العالمية، وتدافع عن ضرورة “تجديد الإدارة التجارة العالمية”، في حين يناقش الممثل الدائم السابق للمملكة المغربية لدى الأمم المتحدة محمد لويلشكي تداعيات “الدبلوماسية الثقافية”، في سياق التراجع في استخدام القوة الخشنة منذ نهاية الحرب الباردة. من جهته، يسلط دومينيك بوكيه (فرنسا) الضوء على تشابك خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، والتشكيك في المشروع الأوروبي، والشعبية عموما كرموز للوضع الراهن، متسائلا عن “مستقبل الاتحاد الأوروبي”.
الساحل والصين وأفريقيا، الفلاحة الأفريقية والاقتصاد الأطلسي
في الجزء الثاني من التقرير، يتناول رضا لياموري (المغرب) موضوع انتشار وتصاعد عدد المنظمات المتطرفة العنيفة في منطقة الساحل، مع التركيز على غرب إفريقيا الساحلية.
وعلى ناصية أخرى، قدم ماركوس فينيسيوس دي فريتاس (البرازيل) بعض الأفكار القيمة حول الصين وأفريقيا: “لقد ظهرت رغبة قوية في التعامل مع الصين مثل اليابان أو الاتحاد السوفيتي في الماضي. ومع ذلك، فتبني كلتا النظرتين أمر خاطئ. (…) على الرغم من أن البعض يود رؤية حرب باردة جديدة، إلا أن هذا سيناريو لا يناسب لا المنظور ولا المصالح الصينية الطويلة الأجل، لأنه سيؤدي إلى زعزعة استقرار العنصر الحيوي في توازن القوى داخل الجوار الصيني.”
من جهة اخرى، تناولت كل من فاطمة الزهراء منغوب (المغرب) وأوليسيلوكا أوكوتشا، عضوة سابقة لقادة الحوارات الأطلسية الرواد (ADEL) من نيجيريا، موضوع استخدام التكنولوجيا في القطاع الفلاحي الأفريقي لتحسين النمو. اذ تعتبران أن التكنولوجيا التجديدية يمكن أن تساعد في حل العديد من المشاكل إذا تم وضع بنية تحتية مناسبة. أخيرًا وليس آخرًا، يرسم الاقتصاديان المغربيان الطيب غازي ويوسف الجاي خريطة شاملة لحالة التقارب داخل كل من التكتلات الاقتصادية على حوض المحيط الأطلسي، داعيان إلى مزيد من العمل لتحسين مستوى العلاقات بين البلدان.
ويقول كريم العيناوي وبشرى رحموني، تأكيدا، “لا يقدم التقرير تشخيصا للاضطرابات في النظام العالمي والحوض الأطلسي فحسب، بل إنه يقدم أيضا بعض الآفاق الواعدة والمشاريع الرائدة، بما في ذلك الابتكار الاجتماعي كرد فعل للمشاكل الاجتماعية، وتمكين المرأة، والدبلوماسية الثقافية، والحوار بين الثقافات، وكذلك الثورة الرقمية كقوة من أجل الرفاه وكأداة لتعزيز التعاون”.