واصلت صناعة السيارات، التي أصبحت أول قطاع مصدر على المستوى الوطني، انتعاشها سنة 2019، لتتمكن من تعزيز موقعها كقطاع أساسي، وترفع من تنافسيتها التي سارت في منحى تصاعدي.
ومن أجل بلوغ هذا المستوى من الانتعاش في عالم يشهد منافسة شرسة، كان لا بد من بذل جهود كبيرة خاصة ضمن إطار مخطط التسريع الصناعي، من خلال إنشاء بنيات تحتية حديثة للاستقبال، فضلا عن توفير مجموعة من التحفيزات القادرة على جذب المصنعين المعروفين على المستوى الدولي.
وبالعودة إلى الماضي القريب، فقد شهد قطاع صناعة السيارات قفزة كبيرة ما بين 2007 و 2018، حيث انتقلت صادراته من 7ر14 مليار درهم إلى حوالي 4ر64 مليار درهم، وهو ما يمثل زيادة بنسبة 5ر14 بالمائة كمعدل سنوي، علاوة على مضاعفة حصة هذا القطاع في الشق المتعلق بإجمالي الصادرات.
وفي عام 2018، عزز هذا القطاع من مكانته كأكبر مصدر للسنة الخامسة على التوالي، وذلك بفضل الأداء الجيد للمنظومة الصناعية الخاصة بالسيارات، التي سجلت زيادة قدرها 7ر2 مليار درهم ( أو نموا بنسبة 6ر8بالمائة)، ثم انتعاش صناعة الكابلات (الأسلاك) بقيمة تفوق 3ر3 مليار درهم، ما يعادل زائد 7ر12بالمائة.
ولم تخرج صناعة السيارات عن هذا المنحى خلال سنة 2019، حيث واصل هذا القطاع الحيوي مساهمته في الدفع بعجلة الصادرات، فتم تجاوز الأهداف المسطرة في مخطط التسريع الصناعي خلال هذه السنة.
وبناء عليه، فقد بلغت صادرات هذا القطاع أزيد من 63 مليار درهم حتى نهاية نونبر الماضي، مقابل 98 ر60 مليار درهم خلال الفترة نفسها من عام 2018، ما يمثل زيادة قدرها 3ر3 بالمائة (مكتب الصرف).
وهو ما أكده وزير الصناعة والتجارة والاستثمار والاقتصاد الأخضر والرقمي، مولاي حفيظ العلمي بقوله إن “القدرة الإنتاجية المحددة في 600 ألف سيارة في أفق سنة 2020 ، تم تجاوزها سنة 2018 ، وهو ما يتماشى مع الهدف المتعلق بإنتاج مليون سيارة”.
وأبرز، في السياق ذاته، أن الجهود متواصلة بغية بلوغ الأهداف المدرجة في الشق المتعلق بالرفع من رقم المعاملات، لافتا في الوقت نفسه إلى أن الهدف المتعلق بخلق 90 ألف فرصة عمل بحلول عام 2020 قد تم تجاوزه أيضا.
وحسب توقعات مؤسسة (جانجوريس)، في دراسة حديثة تضمنت رأي مجموعة من الخبراء، فإن المغرب قد يتجاوز حجم إنتاج السيارات في إيطاليا ابتداء من عام 2021، مع قدرة تسويقية محددة في حوالي مليون سيارة.
وتعزى هذه الإنجازات الاستثنائية إلى توفر إرادة سياسية قوية، ووجود استراتيجية صناعية نجحت في إحداث تحول عميق في طبيعة المنتجات والبضائع التي تصدرها المملكة.
وبذلك، فقد نجح المغرب في جعل نفسه أول مركز لتصنيع السيارات على المستوى الإفريقي، وذلك بفضل إنشاء مناطق صناعية خاصة ومناطق جذابة، تقدم خدمات تتلاءم مع ما يساهم في جلب عمالقة صناعة السيارات على الصعيد العالمي، وهو ما حدث فعلا على أرض الواقع.
ففي عام 2019 وحده، توافد مصنعون كبار إلى المملكة، حيث جرى افتتاح المنظومة الصناعية للمجموعة الفرنسية”بي إس أ ” بالمنطقة الصناعية المندمجة “أتلانتيكفري زون” بجماعة عامر السفلية بإقليم القنيطرة، والذي ترأس الملك محمد السادس حفل تدشينها، وهو المشروع الذي سيساهم في تطوير قطاع السيارات الوطني ويكرس تميز علامة “صنع في المغرب”.
ومؤخرا، افتتحت المجموعة الصينية “سيتيك ديكاستال”، الرائدة عالميا في مجال إنتاج قطع غيار السيارات من الألمنيوم، مصنعا لها بالقنيطرة، بغلاف استثماري إجمالي بلغ 350 مليون أورو، في خطوة ستمكن من إحداث حوالي 1200 وظيفة.
ويعتمد هذا المصنع الجديد، الممتد على مساحة 30 ألف متر مربع، تقنيات حديثة وجد متقدمة، لاسيما بفرع الصباغة، وهو ما سيمكن من توفير خدمات ومنتوجات ذات جودة عالية، ستسهم في تنويع العرض الذي يقدمه قطاع صناعة السيارات للسوقين المحلية والدولية.
وفي السياق ذاته، قامت المجموعة اليابانية “جتيكت كوربورايشن”، في أكتوبر من عام 2019، بتدشين وحدة لصناعة بعض أجزاء السيارات تابعة لها بمدينة صناعة معدات السيارات (أوتوموتيف سيتي) بطنجة، باستثمار إجمالي يصل إلى 220 مليون درهم.
وسيشكل هذا المصنع، الذي أتاح إحداث 90 منصب شغل في قطاع صناعة السيارات وأجزاء غيار العربات بالمغرب، مدرسة للتكوين بالنسبة لليد العاملة المغربية، التي تحظى بثقة المستثمرين اليابانيين باعتبارها ذات كفاءة عالية، وقادرة على مسايرة التطور التكنولوجي.
وعموما، فإن المغرب تحول إلى قبلة لأكبر مصنعي السيارات وأجزائها، بفضل وجود يد عاملة مؤهلة تأهيلا عاليا، وكذا جودة التكوين المهني في مجال السيارات والميكانيك.
ويبدو أن الاستراتيجية الصناعية المتعلقة بإدراج المغرب ضمن سلسلة القيمة العالمية، خاصة في المهن العالمية، تتحرك في الاتجاه الصحيح وتحقق أهدافها ، خاصة في ما يتعلق بجعل المملكة قوة تصدير صناعية جديدة.