اختارت لطيفة أخرباش، رئيسة الهيأة العليا للاتصال السمعي البصري الانتظار سنة كاملة على تعيين أعضاء المجلس الأعلى للتواصل مع الصحافة. وبالتالي منحت لنفسها مهلة للتمحيص والتفكير في واقع ومستقبل هذه المؤسسة الدستورية التي تتميز بحساسية خاصة وبقيمة استراتيجية في عالم متحول.
وبغض النظر عن بعض الخرجات الظرفية والتصريحات لوسائل الاعلام الرسمية في مختلف الأنشطة الوطنية والدولية، فإن أخرباش بقيت متحفظة على الحديث عن استراتيجية الهيأة أو “المقاربة” كما يحلو لها تسميتها، التي ستتبناها الهاكا في لحظة فارقة من تاريخها بعد مرحلة انشغلت فيها في تدبير صراعاتها الداخلية على حساب تدبير القطاع السمعي البصري.
ويكتسي اللقاء التواصلي للهاكا أهمية بالغة بالنظر إلى مجموعة من المعطيات:
أولا، أن أخرباش تخبر جيدا الاعلام وأهميته خصوصا بالنظر الى مسارها واشتغالها لمدة طويلة كصحفية، فأستاذة بالمعهد العالي للإعلام والاتصال تم مديرة للمعهد نفسه ومديرة للإذاعة الوطنية.
ثانيا أن تعيين الثنائي المنسجم: أخرباش كرئيسة و بنعيسى عسلون مديرا عاما، جاء بعد مرحلة أضاعت فيها الهاكا الكثير من إلاثها المؤسساتي. وهو الأمر الذي يفسر عودة أخرباش وفريقها إلى مقاربة بيداغوجية أولية أي العودة للبديهيات: دور الهيأة أهدافها هيكلتها.. وكأنها ولادة جديدة بعد سنوات عجاف.
ثالثا، لم تكتف أخرباش بهذا المستوى الأولي البيداغوجي بل منحت الحاضرين إشارات موجزة عن تصورها المستقبلي للمجال والذي يتجلى في الانتقال من مرحلة التقنين إلى مرحلة التقنين الذاتي بعد أن كان تأسيس الهيأة مرحلة أولى للمرور التدريجي للقطاع من التنظيم règlementation إلى التقنين Régulation.
ولابد أن أخرباش واعية بأن الهيأة أضاعت وقتا ثمينا وأخلفت مواعيد سابقة، بعد أن كانت تجربة رائدة في إفريقيا والعالم العربي، وصدرت حنكتها إلى العديد من البلدان الصديقة حول العالم.
كما كان من الأجدر أن يكون “تقنين” المجال السمعي البصري قد وصل إلى مراحل متقدمة، وتجاوز مرحلة التقنين الذاتي للتتفرغ الهيأة للقضايا الكبرى للمجال أو ما يسمى باليقظة الاستراتيجية.
ولابد أن نستحضر هنا تجربة المجلس الوطني للصحافة الذي أحدث كجهاز للتقنين الذاتي غير أنه مؤسسة للتقنين الذاتي ولدت بقوانين وليس بنضج القطاع. وهو الأمر الذي يجب تفاديه والاعداد له بشكل قويم مع المتعهدين من أجل التأسيس لهذا النضج البناء.
هل تنجح فعلا أخرباش في إحياء الهاكا وإعادة زخم هذه المؤسسة الدستورية؟ الإجابة عن هذا السؤال بشكل قطعي اليوم مبكرة جدا .. لكن الهيأة تسير في السكة الصحيحة وانتظارات القطاعات كبيرة وتحديات السمعي البصري لا حدود لها.