صدر عن مؤسّسة الفكر العربي الكتاب السنوي أوضاع العالَم 2020، تحت عنوان “نهايةُ الزَعامَة الأميركيّة؟” وتضمّن دراسات معمّقة حول الهَيمَنة الأميركية، وقوّتها المتّسمة بالغلبة والجبروت، وعلاقاتها بالدول الأخرى، وتجلّيات أزمتها الراهنة في ظلّ الظروف الدولية المتغيّرة، التي يُعاد توزيع الأدوار والفُرص فيها بسرعةٍ كبيرة.
وأشرف على الكتاب أستاذ العلاقات الدولية في المَعهد العالي للعلوم السياسية في باريس برتران بادي، والصحافي والمؤرّخ الفرنسي دومينيك فيدال، ونقله إلى العربية الأستاذ نصير مروّة. يشرح برتران بادي في تقديمه للكتاب، أنّ الغالب على استخدام الهَيمَنة كمفردة وكمصطلح، هو استخدامها كصورةٍ بلاغية وتعبيرٍ بيانيّ، وليس كمفهومٍ علميّ. وأنّه في حال الولايات المتّحدة، فإنّ الهَيمَنة برأيه أفضت إلى إذكاءِ العداء لها، وإلى تعميق الودّ والتعلّق بها في آنٍ معاً. ولا يزال مصطلح الهَيْمَنة هذا، مُرادِفاً لمفاهيم متنوّعة مثل الغلبة والسيطرة، وصولاً إلى المصطلح المدهش الذي وصفها “بالجبّار”، أو “بالقوّة الأعظم الأحادية”.
ويرى بادي أنّ أهمّ ما يُقال في هذا المجال إنّها هَيمنَة بدأت أحادية منفردة في العام 1945، أصبحت ثُنائية “مُتناظرة” وتنافسية لدى تحوّل الاتّحاد السوفياتي إلى قوّة نووية في العام 1949، وظهور ما سُمّي مذ ذاك بتوازن الرعب، والتعايُش السّلمي بين “القوّتَين العظميَين”. توازن كان يُفترض أن ينتهي بسقوط جدار برلين، وأن يُعيد إلى أميركا هَيمنَتها الأُحادية الأولى، لولا طارئ العَولَمة، وما يُرافقها من ترابُط بين الدول قويّها وضعيفها، وهو ترابطٌ يجعل القويّ مُرتهَناً للضعيف.
ويسأل روبير مالّي هل تكون الولايات المتّحدة في حالة تقهقُرٍ سياسي دبلوماسي الآن؟ فالأمّة التي أسموها بالأمّة التي لا غنى عنها، باتت قيد التهالك والاستنفاد، لكنّ هذا التقهقر لا يمنع البنتاغون من مُواصَلة السعي إلى تحقيق تفوّقٍ عالَمي شامل كما يُلاحظ مايكل كلير، لتأمين “الانفراد بالتفوّق” وتجاوز الخصوم تجاوزاً “بلا حدود”، والتخلّي عن المُعاملة بالمثل في العلاقات الدولية، التي هي الأساس النهائي للأمن وللسلام.
ويبقى أنّ بين الولايات المتّحدة والتعدُدية الدولية، تاريخ جفاء مُستدام كما ترى آنّيك سيزيل. أمّا جان مارك سيروين، فيلاحظ أنّنا إزاء هَيمنَة تجارية مُعرّضة للتهديد، وخصوصاً مع ظهور أمواج التدفّق الصيني المُتلاطمة. ويشير الاقتصادي دومينيك بليهون إلى أنّ الدولار الذي كان محور النظام النقدي الدولي، بات سلاحاً يجنح إلى التآكل.
ويتناول شارل تيبوت مسألة الغلبة التكنولوجية، والمنزلة المركزية التي تحتلّها التكنولوجيا في العالَم السياسي والاجتماعي الأميركي: فالليبرالية الأميركية هي عملياً فكر “الخبرة والخُبراء”؛ وكائناً ما كان الأمر، فإنّ الغلبة التكنولوجية الأميركية تجد نفسها الآن في مُواجَهة التحدّي الصيني الذي بات يهدّد الأنموذج الأميركي.
أمّا الجانب الثقافي فتناوله أدريان ليرم، أستاذ الحضارة الأميركية في السوربون، الذي يجد أنّ الولايات المتّحدة تُثير الدهشة لجهة مَوقع الصدارة الذي لا تزال تشغله في الميدان الألسُني والثقافي والعِلمي، على الرغم من ظهور مُنافسين مُحتَمَلين لها. وهذا التصدّر القائم منذ زمنٍ طويل، لم يذوِ ولم يضعف، بل إنّه يُعطي الانطباع بأنّه يتعزّز ويتوطّد. فهو ما انفكّ، منذ نهاية الحرب العالَمية الثانية، يواكب الإشعاع الدولي للبلاد، كما أنّ اللّغة الإنكليزية باتت اللّغة المسكونية الجامِعة، يتكلّمها 800 مليون، ويتعلّمها خلقٌ لا يحصون عدداً، كا أنّ الجامعات الخمس الأولى في العالَم هي أميركية.