تحاول العديد من الأنظمة التربوية التكيف مع واقع تفشي فيروس كورونا المستجد، في إطار ما أطلق عليه الاستمرارية البيداغوجية، وذلك بغية ضمان حق التلاميذ في التعلم، مما يشكل فرصة أمام العديد من الدول، بما فيها المغرب، للانطلاق نحو بناء رؤية استراتيجية للرقمنة البيداغوجية.
وقد شكل التعليم عن بعد بجميع أنواعه، منذ ظهور الانترنيت إلى وقتنا الحالي، محور اهتمام أعرق الجامعات ومراكز التعليم والمدربين، مواكبة منها للتطور الهائل الذي يشهده العالم، خاصة في مجال تقنيات التعليم.
كما عرفت السنوات الأخيرة اهتماما متزايدا بمجال التعليم والتطوير من خلال الإنترنت، فظهرت الكثير من الجامعات الإلكترونية والمؤسسات التعليمية والمراكز التي تقدم هذا النوع من التعليم، إضافة إلى البرامج المتكاملة والشهادات العلمية التي يحصل عليها من يكملون المنهج المقرر، والدورات التدريبية التي تبنتها العديد من الشركات لتدريب الموارد البشرية على صقل المهارات أو تحديث المعلومات في مجال العمل.
وفي ظل الظروف التي تعيشها بسبب جائحة كورونا المستجد الذي اجتاح العالم كانتشار النار في الهشيم، اعتمدت المملكة، من خلال الوزارة الوصية، خيار التعليم عن بعد لضمان حق التلاميذ في التعلم والاستمرارية البيداغوجية التي تهدف إلى تتبع عملية سير التعليم.
وفي هذا السياق، يرى الباحث في علوم التربية والديداكتيك ومناهج التدريس، خالد البورقادي، أن الوضع الراهن الذي تعيشه المملكة والمنظومة التربوية يعد فرصة للانطلاق نحو بناء رؤية استراتيجية للرقمنة البيداغوجية، تهم مختلف الجوانب التي تتمثل أساسا في بناء منهاج رقمي، وكتاب مدرسي رقمي، واختبارات رقمية، ووسائط بيداغوجية رقمية، وتطبيقات ومنصات بيداغوجية.
وأكد المشرف التربوي، في حديث لوكالة المغرب العربي للأنباء، أن هذه العملية تقتضي حتما إشراك المدرس والمدبر والمفتش، والانفتاح على المقترحات والتجارب بشفافية وصدقية، ودعم وحفز المبادرات الجادة، مشيرا إلى أن التعلم الإلكتروني أو التعلم عن بعد صار من ضروريات الأنظمة التربوية المتقدمة، في ضبط وتيسير العملية التربوية جملة، تخطيطا وتدبيرا وتقويما.
كما أن الرقميات، يضيف المتحدث، تتخذ، في العملية التعليمية التعلمية، صفة الوسائل والدعامات الديداكتيكية، حسب وظيفتها ودورها في بناء التعلمات، ولا ينبغي أن تتحول إلى غايات في حد ذاتها فتصير عائقا من عوائق التعلم.
وأوضح أن إدماج تكنولوجيا الاتصال في التعليم يتخذ مستويات وأشكالا متعددة، منها تقديم ملخصات، وتقديم عروض “الباور بوانت”، وتقديم تسجيل درس بطريقة إلقائية، “وهذه غالبا تكون إلقائية محضة، فلا حديث عن تفاعل صفي ولا تشخيص للتمثلات، وطرح الإشكال، واقتراح الفرضيات وتمحيصها، ولكن نفع ها حاصل بنسبة معينة”.
وأشار البورقادي، في ذات السياق، إلى العروض التفاعلية التي تسمح بالتسجيل (فصل إلكتروني عن بعد) وتسمح بطرح الأسئلة وتشخيص التمثلات إلى غير ذلك من الخطوات الديداكتيكية، كالغرف الصوتية، وتطبيقات عدة موجودة ك “زووم” فيديو، و “تو ميتينغ”، و “غوغل ميت”، و”تويست”، وغيرها كثير من التطبيقات “فالإبداع لا حدود له، ولا قيود عليه”.
وفيما يتعلق بالجوانب البيداغوجية في إلقاء الدروس، دعا البورقادي الأساتذة، لاسيما أساتذة المواد الأدبية والعلوم الإنسانية، إلى تفادي “إلقاء الدرس كمن يقدم موعظة”، مبرزا أنه من الأفضل والأجدى استعمال السبورة والقلم، وتسجيل أهم الأفكار، وتوظيف الخرائط الذهنية والخطاطات، والتفاعل مع المشاهد.
وأبرز أن الأستاذ باعتباره يمارس عملية نقل ديداكتيكي في هذا السياق التعليمي، يجب أن يمهد لدرسه بالترحاب بالمشاهد مع الابتسامة والانشراح حتى يقبل المشاهد/التلميذ على الدرس بشغف، موضحا أن هذه الأمور، التي قد تبدو بسيطة، لها أهميتها في العلاقة السيكولوجية بين الأستاذ والمشاهد/التلميذ.
وكانت وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي قد أعلنت عن انطلاق عملية “التعليم عن بعد” يوم الاثنين 16 مارس عبر البوابة الإلكترونية TelmidTice، وعبر القناة الثقافية.
وأوضحت الوزارة، أنه يتم الولوج إلى البوابة عبر الرابط: http://telmidTICE.men.gov.ma دون استخدام أي قن سري، مبرزة أن هذه البوابة الإلكترونية تقدم دروسا مصنفة حسب الأسلاك والمستويات التعليمية وكذا المواد الدراسية.
وعلى إثر قرار الوزارة الوصية توقيف الدراسة حضوريا ابتداء من الاثنين 16 مارس وحتى إشعار جديد، بادرت عدة مؤسسات جامعية لمواكبة هذا القرار، فأعلنت رئاسة جامعة القاضي عياض بمراكش، عن إحداث منصات إلكترونية لتتبع الدراسة عن بعد.
كما شهدت كلية العلوم بجامعة عبد المالك السعدي بتطوان مناقشة أطروحة دكتوراه عن بعد باستعمال تقنية “فيديو كونفيرونس” بمشاركة بروفيسور إيطالي تعذر عليه السفر بسبب تطبيق الحجر الصحي على إيطاليا بعد تفشي فيروس كورونا المستجد (كوفيد19).
وفي ظل الحركية المكثفة التي تشهدها أكاديميات المملكة لصياغة وإنتاج الفيديوهات والموارد الرقمية، فإنه من الضروري دعوة جميع المتدخلين إلى مزيد من النجاعة والالتزام من أجل إنجاح هذا الورش البيداغوجي الهام.