فقط دواء واحد من بين عشرة يجتاز جميع التجارب ويحصل على الترخيص، إذ لا بد من اجتيازه لمراحل اختبار عديدة ومختلفة بنجاح. فما هي هذه المراحل وكيف يتم تطوير الدواء والعقبات التي يجب تجاوزها قبل أن يصل إلى الصيدلية؟
أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الأسبوع الماضي أن بلاده أصبحت أول دولة تسجل لقاحاً لمرض كوفيد-19 بعد تجارب بشرية على مدى أقل من شهرين. وأثار الإعلان حالة من التشكيك، فقد حذر الخبراء من أن التجارب السريرية كان يجب أن تجرى لفترة أطول. لكن ما هي خطوات تسجيل أي دواء أو عقار جديد؟ وما هي الفترة اللازمة؟
يكاد الأمر يكون معجزة أننا نتوفر على دواء جديد، فالمواد المختلفة التي تدخل في تركيبته يجب أن تتلاءم وتتكامل مع بعضها البعض. ويجب يجب أن تصل المادة الفعالة في الدواء إلى الموضع الصحيح في الجسم وتعطي هناك مفعولها. وهذه الأهداف هي في الغالب مستقبلات أو أنزيمات، وجزئياتها تلعب دورا محوريا في جميع ردود الفعل الكيميائية داخل جسمنا.
والمستقبلات تجلب مواد وهرمونات من مختلف أجزاء الجسم، مثل مستقبلات بيتا في خلايا القلب. وفي حال وصول هورمون أدرينالين إلى مستقبل، فإن قلبنا يخفق بسرعة، وهذا يمكن أن تكون له عواقب وخيمة. إذ أنه قد يجهد مثلا جسم المريض أو التسبب في ارتفاع ضغط الدم. ولكل دراسة يجب على الأقل تحديد معيار يُقرأ من خلاله مفعول المادة المجربة ـ ما يُسمى نقطة النهاية. ومثال على ذلك هو أنه لدى الإصابة بعدوى ما، يمكن أن تكون نقطة النهاية هي شفاء المريض. ولدى الالتهابات المزمنة يبحث العلماء هل تحصل دُفعات مرضية وكم من مرة.
هل المادة فعالة؟
وتجرى التجارب على حيوانات في نموذج مرضي لمعرفة ما إذا كانت المادة المختارة فعالة أم لا. وعلى هذا النحو يمكن للباحثين في طور مبكر محاكاة ما يجب أن يحدث لدى المريض. وكحيوانات تجريبية تُستخدم عادة القردة والخنازير والكلاب والفئران، حسب صلاحية نوع الحيوان للمرض وتجارب الدواء. وخاصيات الحيوانات يجب أن تتلاءم في أكبر عدد من النقاط مع الخاصيات البشرية. وهذه التجارب على الحيوانات منصوص عليها قانونيا. “والشرط الآخر هو أن المادة في نموذج التسمم لا تُظهر مجالا واضحا لعوارض جانبية”، كما يقول الدكتور نيكولاس غونكيل من مركز بحوث السرطان الألماني.
والمفعول التسممي للمادة على حيوان أو إنسان رهين بعاملين: “فالمادة يجب أن تظل بكمية كافية في الجسم ومركزة ليكون لها على الإطلاق مفعول. والمفعول لا يحق أن يكون قصيرا ولا طويل المدة”، كما يقول الخبير. “كل ما نتناوله نتخلص منه من جديد. وهذا ينطبق على المواد الغذائية مثل الأدوية والسموم”. وإذا تخلص الجسم بسرعة وفاعلية من الدواء أو يدمره ويرميه، فالدواء قد لا يحقق مفعوله. وإذا مرت هذه التجارب الأولى بإيجابية، تبدأ بعدها الفترة السريرية.
الإنسان في صلب الموضوع
في الفترة السريرية يشارك أشخاص بالغون أصحاء. والتجارب تركز على الأعراض الجانبية المحتملة وليس على المفعول الأساسي لدواء مستقبلي. ويتعلق الأمر بتحديد الجرعة التي يمكن تحملها كحد أقصى، من دون حدوث أعراض جانبية. “نرغب في حصر الأعراض الجانبية في أقل درجة ممكنة. نبدأ بقليل من المادة ونرفع ببطئ كميتها إلى حين يظهر طفح على الجلد”، كما يقول غونكيل. ونحو 30 إلى 40 متطوعا يشاركون في تجارب المرحلة الأولى.
وفي الخطوة التالية يقلص العلماء من الجرعة ويراقبون فيما إذا كانت الأعراض الجانبية تختفي. وعلى هذا النحو بإمكانهم التوصل إلى الكمية التي يمكن تحملها. والتجارب في المرحلة الأولى هي في النهاية طور تقاربي، كما يوضح غونكيل. ” لا يمكن أبدا التوصل إلى جرعة مناسبة يمكن إعطاؤها لمرضى شديدي الحساسية، وهم هؤلاء المرضى الذين لا يجوز إعطاؤهم هذا الدواء مطلقا. ونريد بالطبع أن نتوصل إلى ألا تظهر أعراض جانبية على الأشخاص المشاركين في التجارب. وإذا تحددت الجرعة المثالية، تبدأ المرحلة الثانية، يقول الباحث في مركز بجوث السرطان الألماني.
تجربة الدواء على أشخاص مرضى
ولدى المرحلة السريرية الثانية يرتفع عدد المشاركين، فنحو 100 إلى 500 مريض يشاركون في ذلك. وقبل التجارب يجب تجاوز عقبة عملية، وهي في أي شكل يجب إعطاء المادة؟ كحبوب أم مسحوق أم حقنة؟ والأخيرة ستكون حسب غونكيل أسهل حل: “لكنها أكثر كلفة نسبيا وغير ضرورية وتحتاج جهدا أكبر”.
والمعايير المبدئية لتسلسل التجارب في المرحلة الثالثة تشبه تلك الموجودة في المرحلة الثانية. لكنها تكون أوسع بكثير إذ يشارك فيها آلاف المرضى، ليس في ألمانيا وإنما بمشاركة مرضى وباحثين من دول أخرى أيضا. “نفكر بعدها أين توجد غالبية المرضى؟ ما هي مجموعات المرضى التي يجب تغطيتها حتى ترخص السلطات الدواء؟” يقول غونكيل.
وعلى غرار المرحلة الثانية يحصل المرضى على الدواء الذي يخضع للتجربة فيما يخص المفعول والأعراض الجانبية. وليس المادة الفعالة يجب أن تكون محددة ومناسبة، وإنما شكل الدواء (حبوب، مسحوق، حقنة) ولونه النهائي الجرعة وحتى التغليف. فكل هذه الأمور يجب أن تسمح بها مؤسسة الترخيص، وهذا يحصل في الولايات المتحدة من قبل “إدارة الغذاء والدواء الأمريكية Food and Drug Administration” أو على المستوى الأوروبي من قبل “الوكالة الطبية الأوربية European Medicine Agency”. وفي حال مرور كل هذه المراحل ،التجارب بايجابية وشكل صحيح، يصل الدواء إلى الصيدلية ومنه إلى سرير المريض وحقنة الطبيب.