أغلقت جائحة كوفيد-19 الحدود البرية الوحيدة بين إفريقيا وأوروبا ومعها أبواب الرزق بالنسبة لآلاف المغاربة العاملين في جيبي سبتة ومليلية المحتلتين، والذين ينتظرون بفارغ الصبر إعادة فتحها بعدما صار يتهددهم “التشرد” أو “التسول”، وفق قولهم.
طيلة 18 عاما، اعتادت فدوى (43 عاما) يوميا عبور الممر الحدودي من مدينة الفنيدق في شمال المغرب نحو سبتة، حيث تعمل مسيّرة بيت، لتعيل أسرة من ستة أفراد، بمن فيهم زوجها العاطل عن العمل، لكنها فقدت دخلها فجأة، بسبب إغلاق الحدود، في منتصف مارس، للتصدي لانتشار وباء كوفيد-19.
وتقول يائسة “لم يبق أمامي سوى التسوّل في الشارع، إذا لم تفتح الحدود لأعود إلى عملي. الكل يتعايش الآن مع كورونا ويعود لعمله إلا نحن. لا يمكن أن تكون السلطات أكثر قسوة من الوباء”.
وتضيف يائسة “بالنسبة إلي كورونا أرحم من الفقر”.
ويكفي الحصول على بطاقة عمل في سبتة أو مليلية للتنقل إليهما من المدن والقرى المغربية المجاورة، عبر ممرات حدودية تملؤها عادة حركة دؤوبة. وكان آلاف الأشخاص يتنقلون بموجب هذه البطاقة.
ويبدو المعبر الحدودي، اليوم، خاليا تماما إلا من رجال الأمن، الذين يحرسون مدخله المغلق بحاجز حديدي.
ويمتد الهدوء على طول الشارع الرئيسي للمدينة وشواطئها الجذابة، والتي تشهد عادة إقبالا كيثفا للسياح في فصل الصيف.
-“أنا في طور التشرد”-
ويقدّر الكاتب العام لنقابة العاملات والعمال المغاربة بسبتة، شكيب مروان، عدد المتوقفين عن العمل بسبب إغلاق الحدود بأكثر من ثلاثة آلاف، بينما يقارب العدد خمسة آلاف بالنسبة للعاملين في مليلية باتجاه الشرق، وفق مسؤول نقابي بمدينة الناظور المجاورة.
ويعمل هؤلاء على الخصوص في السياحة أو الخدمة في البيوت، فضلا عن الحرفيين وعمال المصانع أو المحلات التجارية، بحسب مروان الذي يشير إلى مساهمة هؤلاء في جلب العملة الصعبة إلى المغرب حيث ينفقون أجورهم.
وفي حين تفيد تقديرات رسمية أن التداعيات الاقتصادية لأزمة كوفيد-19 تهدّد نحو مليون مغربي بالوقوع في الفقر، يقارب معدّل الأشخاص المعرضين للفقر نحو 20 بالمئة من سكان البلد البالغ عددهم 35 مليونا.
وبينما استفادت قرابة ستة ملايين أسرة توقف معيلوها عن العمل بسبب الحجر الصحي، من دعم مالي مؤقت خلال ثلاثة أشهر، لم يتلق معظم المنقطعين عن العمل في جيبي سبتة ومليلية أي مساعدة من المغرب ولا من إسبانيا.
ويوضح مروان (49 عاما) الذي يعمل في مطعم بسبتة منذ 20 عاما “لم أستفد من أي دعم، عشت على الاقتراض طيلة ستة أشهر ولا أجد الآن من يقرضني. أنا في طور التشرّد، ما لم تفتح الحدود لنعيل أبناءنا”.
وإذا كان مشغّلي البعض أبدوا “تفهما” للوضع الاستثنائي، فإن عددا كبيرا من هؤلاء العمال والعاملات “سُرّحوا أو هم مهددون بالتسريح”، بحسب شهادات أعضاء في النقابة التي تحاول إقناع السلطات المغربية بفتح الحدود في وجههم من جديد.
وبين العالقين أيضا متقاعدون حرموا من صرف معاشاتهم في سبتة منذ إغلاق الحدود، وآخرون حرموا من متابعة العلاج أو عاجزون عن دفع تكاليفه في المغرب.
العودة السباحة
ووصلت تداعيات الأزمة بالبعض إلى “الطلاق أو الاكتئاب” كما يؤكد مروان، مشيرا إلى أن آخرين “فضلوا البقاء عالقين في سبتة بعيدا عن أهلهم كي يحافظوا على عملهم. ما فائدة أن أكون قريبا من أبنائي بينما لا أستطيع أن أوفر لهم أي شيء؟”.
عندما أغلقت الحدود في مارس، بقي مئات المغاربة عالقين في المدينيتن المحتلتين في ظروف صعبة، قبل أن يبدأ إجلاؤهم أواخر مايو بعد العديد من المناشدات والاحتجاجات.
لكن العالقين اليوم في الجهة الأخرى من الحدود لا يرون مانعا في العودة إلى أعمالهم وتحمّل البعد عن ذويهم حتى “يرفع عنا الله هذا الوباء”، كما يقول مروان.
وتستطرد سميرة (33 عاما) مغالبة دموعها “أفكر جديا في العودة سباحة إلى سبتة، لم يعد أمامي أي حل آخر”. وفقدت سميرة كل مصدر دخل منذ انقطاعها الاضطراري عن العمل كمساعدة لأشخاص مسنين في سبتة، علما أنها كانت براتبها، تعيل أسرتها إضافة إلى والديها في مدينة الفنيدق.
ولم يعلن بعد عن أي موعد رسمي لإعادة فتح الحدود.
وجاء إغلاق الحدود بسبب الوباء ليفاقم الركود التجاري والسياحي في المنطقة بعد ثلاثة أشهر من الحجر الصحي، علما أن المنطقة عانت أيضا منذ أواخر العام الماضي، من تبعات وقف تجارة بضائع مهربة كان يقوم بها حمّالون عبر معبر تمّ غض الطرف عنه لوقت طويل.
ووعدت السلطات حينها بإنشاء منطقة تجارية توفر بدائل لذلك في الفنيدق، لكن الأشغال فيها متوقفة.
ورغم استئناف السياحة الداخلية، “ما نزال بعيدين عن تغطية خسائرنا”، يقول مدير فندق يتيح رؤية بانورامية على معظم مباني سبتة ومياه المتوسط الزرقاء.
ويتوقع أن يعاني المغرب عموما ركودا اقتصاديا بمعدل 5,2 بالمئة هو الأشد منذ 24 عاماً، بسبب الأزمة الصحية وآثار الجفاف على الموسم الزراعي. بينما أعلن عن خطة طموحة للإنعاش الاقتصادي بما يقارب 12 مليار دولار.