لطالما شكلت المدرجات الرياضية مكانا لتفجير حماس المشجعين، حيث يعبرون عن حبهم وشغفهم، لكنها وللأسف الشديد، تعد أيضا فضاء للتعبير عن كراهيتهم إزاء خصومهم، فكانت بالتالي ، خلال العقد الأخير ، وراء تفجر الكثير من أعمال الشغب في مياديننا الرياضية متسببة في عواقب وخيمة على جميع المستويات.
ولاحقا ،أضحت شبكات التواصل الاجتماعي ساحة جديدة لايواء المشاغبين من عشاق كرة القدم ، ليتوسع نطاق الصراع الشرس بين المشجعين المتعصبين ليشمل المنصات الافتراضية من قبيل Facebook و Twitter و Instagram و TikTok …،و التي أبمثابة مدرجات جديدة للإيواء المشاغبين (الهوليغنز)، إذ بالرغم من طابعها الافتراضي يبقى تأثيرها كبيرا على عالم كرة.
ومن هذا المنطلق، أضحت العديد من الأسئلة المتكررة وألاساسية تطرح نفسها بالنظر للخطر الذي تمثله ظاهرة الهوليغانيزم 2.0 : فما أسباب هذه النزعة الجديدة التي طفت الى السطح في السنوات الأخيرة؟ ما الفرق بين المناصر في الميدان والمناصر على مواقع التواصل الاجتماعي؟ هل سمحت شبكات التواصل لبعض الأشخاص الخجولين (المعجبين) بأن يكونوا أكثر جرأة حتى يصبحوا عدوانيين؟ ماذا عن تداعيات هذه الظاهرة؟ هل سيؤثر ذلك على الرياضة الوطنية واللاعبين؟
لتسليط الضوء على هذه الظاهرة استقت وكالة المغرب العربي للانباء رأي الخبير المغربي محمد الدويب مؤسس منصة ” لوميديا ” والشريك المؤسس لـ “ديجيتال أكت” وذلك في محاولة لفك شفرة هذه الآفة التي بدأت تمتد على نطاق واسع، لتنتشر السلوكات غير الصحية ،وتنتج عواقب وخيمة على الفضاء الرقمي المغربي.
يرى الدويب أن الرياضة التي تحمل قيما إيجابية من حيث المبدأ، أضحت ميدانا للمواجهات العنيفة على شبكات التواصل الاجتماعي ، عبر عدة ممارسات من قبيل المطاردة الإلكترونية، والدعوة إلى العنف، والتهجم على الحياة الخاصة ،والتهديدات بالأذى الجسدي… والقائمة طويلة، مبرزا أن مجال كرة القدم يجسد هذا الواقع أكثر من غيره، لأسباب موضوعية، في مقدمتها انها الرياضة الأولى التي تحظى بأكبر متابعة جماهيرية عالميا.
وأكد الدويب أن “الكراهية التي يعبر عنها الانصار أصبحت توجها جسيما وظاهرة خطيرة، حيث أن بعض الخبراء والباحثين يتحدثون عن تعصب رياضي قد يشبه في بعض الأحيان التعصب الديني على الشبكات الاجتماعية”، مضيفا أن هذه الظاهرة، في المغرب، ينبغي دراستها وتحليلها من قبل علماء الاجتماع.
وأوضح مؤسس منصة “Le Media” أنه إذا كان التشخيص النموذجي للمناصر في الميدان محددا، فالأمر ليس كذلك بالنسبة للمناصر في شبكات التواصل الاجتماعي، سيما وأن إخفاء الهوية هي القاعدة بشكل عام، ملاحظا أن العديد من مستخدمي الإنترنت يعتقدون أن عدم الكشف عن هويتهم يمنحهم الحق في اقتراف كل التجاوزات وأن فئة كبيرة من المستخدمين المجهولين للشبكات، قررت بشكل احادي أن تكون فوق الآخرين وفوق القانون، بل إنهم لا يدركون حتى حجم الضرر الذي قد يسببونه.
وفي ما يتعلق بسهولة تحول الأشخاص (المعجبين) الخجولين ليكونوا أكثر تعبيرا على شبكات التواصل الاجتماعي إلى درجة أن يصبحوا عدوانيين في بعض الأحيان، أوضح دويب أن علماء النفس والمحللين النفسانيين هم من يتعين أن يجيبونا على هذه المسألة، مؤكدا أن “هناك روح مجتمعية، وسلوك القطيع، عندما يتعلق الأمر بالرياضة وخاصة كرة القدم، وبالتالي فالمبدأ بسيط: لكي أقبل ضمن القطيع، يجب أن علي أطبق أسلوب العمل بحدافره” على حد قوله.
وقال في هذا الصدد “لا ترتبط أعمال الشغب ( الهوليغانيزم ) في مواقع التواصل الاجتماعي فقط بـ (الطبقات الدنيا) والأشخاص (غير المتعلمين) ، كما ي زعم دائما… لكننا نلاحظ المزيد فالمزيد من الأشخاص الذين يقولون إنهم مثقفون أو ينتمون إلى الطبقة الاجتماعية العليا يعبرون عن عدوانيتهم ويثيرون الكراهية”.
و اعتبر دويب “أننا نحتاج ، مرة أخرى ، إلى قراءة اجتماعية وأنه من الصعب المضي قدما على هذا الأساس في غياب المؤشرات الرئيسية حتى نتمكن من تحديد الاتجاه”.
على صعيد آخر، ولدت هذه الظاهرة للأسف عواقب مقلقة للغاية على مستوى تسيير الرياضة الوطنية ، مما جعل الممارسة في بيئة صحية وطبيعية أكثر صعوبة .ومن ناحية أخرى، أصبح اللاعبون، الحاضرون بشكل دائم على وسائل التواصل الاجتماعي، هدف ا للمتعصبين الرياضيين عند اقتراف أدنى خطأ أو عند إصدار أي منشور متهور.
وخلص الدويب الى أن شبكات التواصل الاجتماعي يمكن أن تكون رافعة ممتازة للترويج للرياضة وقيمها العالمية، مؤكدا أنه لتحقيق هذا الهدف، يعد التعليم الرقمي ضرورة أساسية ،مشددا على الكرة حاليا في ملعب رابطات المشجعين والأندية و الاتحادات الرياضية.