اسمح لي سيدي الوزير أن أعود بكم الى موضوع الدعم الذي منح قبل أيام، للفنانين في إطار الدعم السنوي للثقافة بمختلف مشاربها.
لقد اخترنا هذا التوقيت للتواصل معكم، حتى تمر الموجة الأولى من الانتقادات التي كانت انفعالية ودون جدوى، بل شعبوية في الكثير من مظاهرها. بينما نحن نؤمن بأن الدعم ضرورة حيوية لاستمرار قطاع هش وذي خصوصية. لكن ليس بالطريقة التي نهجتم والتي تميزت بدورها بكثير من الانتهازية.
مباشرة بعد اندلاع بوليميك الدعم الثقافي الذي منحته وزارة الثقافة خرجتم بتوضيح على شبكات التواصل الاجتماعي، الهدف منه امتصاص هذا الغضب الذي جمع مواطنين وفنانين. وتصرفتم كسياسي شوفيني أكثر من كونكم وزيرا وصيا على قطاع حساس يحدد تاريخ ومستقبل الأمم.
القضية سيدي الوزير، ليست قضية دعم وملايير وزعت بسخاء حاتمي، بل هي واقع مرتبط ب”استراتيجيتكم” كوزير للقطاع، ودعوني أعود بكم إلى ما نشرتموه على فايسبوك تحت عنوان : بعض التوضيحات بخصوص عملية الدعم الاستثنائي للفنون. وأناقش معكم ما بين سطوره لأننا نعتبره مجرد ماركوتينغ سياسي وتسويق زائف لاسمكم.
لنبدأ بقولكم : “تعتبر الشفافية من شروط العمل العمومي ويعتبر الولوج إلى المعلومة حقا مكفولا للمواطنين، وعلى هذا الأساس تم بشكل كامل نشر نتائج طلبات عروض مشاريع على موقع الوزارة لضمان الوضوح فيما يخص استعمال المال العام”.
إن ربط الشفافية بنشر اللوائح هو ذر للرماد، وهوس ارتبط بوزير سابق سيء الذكر، ينتمي الى حزب نكوصي .. إنه حق أريد به باطل لكون الشفافية الحقة سيدي الوزير، تتطلب منكم نشر الأسماء المكونة للجنة المخول لها انتقاء المشاريع، بالإضافة الى الشبكة المعيارية للانتقاء التي تضم المحددات للملف الجيد والملف الأقل جودة.
وبالمناسبة لماذا لم يدفعكم هاجس الشفافية ذاته للترويج للائحة الإذاعات الخاصة المستفيدة من الدعم كما هو مبين هنا، أو لائحة الجرائد الورقية والمواقع الالكترونية المستفيدة من الدعم نفسه؟
أضفتم على فايسبوك : “إن التدابير الأفقية التي تم إرساؤها بفضل صندوق كوفيد 19، مكنت، بالفعل، أكثر من 3700 من حاملي بطاقة الفنان (القديمة أو الجديدة) من الاستفادة من نظام التضامن كوفيد (راميد وغير المهيكل) أي بنسبة قبول بلغت 70%.”. غير أن استفادة القطاع غير المهيكل ليس من تدبيركم أو اختراع تفتق به ذكائكم بل هو مشروع ملكي خالص، ولا يمكن أن تستعملوه لتبرير أي شيء.
الآن يجب أن تجيبوا عن سؤال واضح وصريح :
هل هي عملية استثنائية أم هو دعم سنوي؟ فالدعم الذي منحتم ليس فيه أي استثناء، يعني ان الوزارة لم تقم بشيء يذكر، بل سعت الى تسويق الأمر كأنه استثناء، عوض التشمير على ساعدها وإيجاد حلول مبتكرة في زمن جائحة مدمرة.
يجب الاعتراف انكم لم تقموا بشيء يذكر، بل اعتمدتم على العناصر القديمة والمقاربة البالية التي أبانت عن فشل تسييرها وتدبيرها للملفات.. وكما يقال: Old ways won’t open new doors ما يعني أن الطرق القديمة لن تفتح أبوابا جديدة. إنكم تعترفون بأن نظام الدعم يجب تحسينه وتجويده، وكأنكم تنتظرون وحيا من السماء، بينما أنتم المسؤول عن القطاع، وأنتم من وضع فيه صاحب الجلالة ثقته ليقوم بهذه الأمور التي تدخل في صلب مهمتكم واختصاصاتكم.
إن حديثكم عن رفع عدد الملفات المدعومة مسيء لفلسفة الدعم في حد ذاتها، لأنكم ضاعفتم عدد المستفيدين ثلاث مرات من 155 مشروعا سنة 2019 إلى 459 مشروع سنة 2020 لكن دون الزيادة المناسبة في قيمة الدعم الذي كان في 2016 40 مليون درهم وتراجع إلى 37 مليون درهم في 2020، في عز الجائحة.
ان قيمة الدعم للمشاريع انخفضت وزاد العدد على حساب الجودة والقيمة الفنية للعمل، وهذا منطق “سواقي” ومقاربة كمية لا تليق بالأعمال الفنية والثقافية.
هو ذا الاستثناء الحقيقي سيدي الوزير الاستثناء الذي يجعلكم تقتنصون أموال الدعم الثقافي من “فم السبع” وتدافعون عن قطاع مترهل. ودعني هنا اضرب لكم مثلا بوزيرة الثقافة الفرنسية، روزلين باشلو التي تمكنت من إقناع رئيس الوزراء جون كاستكس بوضع خطة بملياري يورو لإنقاذ القطاع الثقافي وهو الأمر الذي لم يخطر ببالكم، واخترتم الطريق السهل والنوم في العسل، عملا بمقولة كم من حاجة قضيناها بتركها.
لقد كنا ننتظر منكم سيدي الوزير أن تفتحوا للفنان شبكات العلاقات الدولية وتجدون للمبدعين موطئ قدم في مختلف الصناديق والمنظمات.. أين هو دعم اليونسكو وعلاقاتكم بها؟ أين هو دعم Europe créative الذي يوفر مليوني أورو للمبدعين وفتحت له تونس مكتبا قارا له بالعاصمة؟
من جهة أخرى كنا ننتظر أن تكون لكم خارطة طريق واضحة وتفتحون الملفات الحارقة التي تتطلب شجاعة سياسية: لماذا لم تفتحوا ملف المكتب المغربي لحقوق المؤلفين BMDA ؟ لماذا لم تسحبوا مشروع القانون الذي هو نسخة باهتة من القانون الجزائري؟ لماذا اكتفيتم بشعار “المقاربة التشاركية” وتبنيتم المنطق الرجعي الذي يقول: “شاورها وماديرش برأيها”.
دعوني أقول لكم في الختام، إنكم جعلتم من الثقافة “العجلة الخامسة للعربة”، في وقت يفترض فيه أنكم تنتمون إلى نخبة سياسية جديدة، شابة، تتميز بدينامية ومرونة خاصة، يعول عليها في تحقيق التغيير المنشود الذي لن يتحقق إلا بالقطع مع الأساليب القديمة في التدبير، فالتجديد لا يكون في الأدوات التواصلية باستعمال فيسبوك أو تويتر، بل ب”التشمير على الذراع” وتقديم إجابات بدل طرح الأسئلة، وإيجاد الحلول بدل تعرية المشاكل.