قرر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مخاطبة مواطنيه مساء الأربعاء بعد تفشي فيروس كورونا بشكل سريع في البلاد، لدعوتهم إلى اليقظة الجماعية. ويتوقع الإعلان عن تشديد إجراءات الوقاية في بعض المناطق أبرزها العاصمة باريس، فيما يتساءل كثيرون هل سيفرض ماكرون حظر تجول ليلي في المدن الكبرى، ما يتوقع أن يؤدي لاستياء أصحاب المحال التجارية والمطاعم.
يترقب الفرنسيون المقابلة التلفزيونية التي سيعقدها رئيسهم إيمانويل ماكرون مساء الأربعاء عند الساعة الثامنة إلا خمس دقائق بتوقيت باريس (السادسة إلا خمس دقائق بتوقيت غرينتش)، والتي سيعلن خلالها عن إجراءات جديدة لمواجهة تفشي فيروس كورونا. وتأمل السلطات التنفيذية أن تؤدي إعلانات ماكرون إلى “وعي جماعي” في البلاد، بحسب ما أكده مصدر مقرب من الرئاسة.
وشدد مقربون من الرئيس الفرنسي أن الأخير قرر أخذ زمام المبادرة والتوجه للفرنسيين، بعد أن ترك المجال لرئيس الوزراء جان كاستكس ووزير الصحة أوليفيه فيران، فضلا عن محافظي المناطق، لاتخاذ قرارات محلية نظرا للحالة الحرجة التي تمر بها فرنسا.
ولأجل مواجهة “الموجة الثانية” من الجائحة، سيطلب ماكرون من مواطنيه تغيير سلوكهم والتكيف مع الوضع الجديد. ومن المتوقع أن يشدد على أن فرنسا “في مرحلة مفصلية” وأن يدعو إلى التعايش مع الفيروس بشكل أفضل ولفترة طويلة.
فرض حظر تجول ليلي؟
ومن ضمن الإجراءات المتوقعة، حظر تجول ليلي في بعض المناطق كما حصل في إقليم غويانا، أو في بعض مدن ألمانيا مثل برلين. وسيكون على ماكرون الاختيار بين مختلف الاحتمالات التي طرحت الثلاثاء خلال جلسة “مجلس الدفاع الصحي”. وفي هذا الإطار، أشارت الوزيرة المنتدبة المكلفة بالمواطنة مارلين شيابا إلى أن “جميع الاحتمالات على الطاولة ولا يجب استثناء أي منها لأن الفيروس ينشر أكثر فأكثر”.
لكن الأولوية بالنسبة للسلطات الفرنسية تبقى تجنب الإغلاق التام كما حصل خلال الربيع الماضي، نظرا لتداعياته الكارثية على الاقتصاد الوطني، لاسيما مع اقتراب عطلة عيد جميع القديسين في الأول من نوفمبر/تشرين الثاني.
الضربة القاضية للعديد من المؤسسات؟
هذه الإجراءات التي يتم تداولها في وسائل الإعلام وبمواقع التواصل الاجتماعي أثارت حفيظة أصحاب المحال التجارية والمطاعم والحانات، والتي تعارض فرض حظر ليلي سيجبرهم على الإغلاق عند الساعة العاشرة على أقصى تقدير. فقد لفت رئيس نقابة أصحاب الفنادق والطاعم المستقلين، ديدييه شونيه، إلى أن “هذه الإجراءات التي تمنع المواطنين من الخروج بعد ساعة معينة في المساء، ستكون الضربة القاضية للعديد من المؤسسات”.
أما فيما يتعلق بالمدارس، فقد استبعد وزير التربية جان ميشال بلانكير اتخاذ إجراءات جديدة حتى الساعة، معلنا أن “المدارس والمعاهد والجامعات تحت السيطرة”. وتابع: “بحسب الأرقام الأخيرة، أقفلت 24 مؤسسة تعليمية فقط من أصل أكثر من 60 ألفا بعد تسجيل إصابات فيها”.
تطبيق مثل هذه القيود يعني “أننا فقدنا كل شيء”
وأثارت هذه الإجراءات الجديدة المتوقعة تعليقات سياسيين من مختلف الأطراف. فالنسبة للنائب عن “الحزب الاشتراكي” بوريس فالو تشكل “هذه الإجراءات تقييدا مهما لحرية الأفراد”. من جهته، أبدى النائب عن حزب “الجمهوريون” داميان أباد دعمه لهذه الإجراءات إذا طالت المدن الكبرى فقط. أما النائب جان كريستوف لاغارد (وسط) فقد اعتبر أن الشرطة الفرنسية لا تستطيع السهر على تطبيق مثل هذه الإجراءات لأنها لا تمتلك الإمكانيات الكافية.
واعتبرت رئيسة حزب “التجمع الوطني” اليميني المتشدد مارين لوبان أن تطبيق مثل هذه القيود يعني “أننا فقدنا كل شيء”.
يذكر أن فرنسا تبقى من بين البلدان الأكثر تضررا من فيروس كورونا مع ارتفاع ملحوظ في نسب المصابين. وقد سجلت باريس رقما قياسيا من الإصابات.
وكانت لجنة خبراء شُكلت لتقييم استجابة فرنسا للوباء قد أفادت في تقرير أنها وجدت “إخفاقات واضحة في التوقع والاستعداد والإدارة”. وأشار الخبراء إلى نقص الأقنعة في الأسابيع الأولى من تفشي الوباء. كما أشار التقرير إلى عدم وجود تنسيق بين مختلف الجهات والهيئات الصحية. لكنه أشاد “بالقدرة الاستثنائية على التكيف والتعبئة” للعاملين في قطاع الصحة، ما سمح لنظام المستشفيات “بتحمل الصدمة” مع ارتفاع الحالات في الربيع الماضي.
لذلك، وقبل سنتين من الانتخابات الرئاسية، سيسعى إيمانويل ماكرون وحكومته إلى تجنب مثل هذه الانتقادات في المرحلة القادمة.