يرى محللون أن الخبرة التي راكمها المغرب في مجال مكافحة الارهاب وتفكيك الخلايا الارهابية في ظل التهديدات الارهابية المتنامية في المنطقة جعلت حلفاءه وشركاءه التقليديين من الدول الغربية يسعون في طلب هذه الخبرة والإشادة بها.
واتصل العاهل البلجيكي الملك فيليب هذا الأسبوع بملك المغرب محمد السادس ليعبر له عن رغبة حكومة بلاده في “مساعدة وثيقة ومتقدمة في مجال الأمن والاستخبارات من المملكة المغربية” في أعقاب الهجمات التي هزت باريس في 13 من هذا الشهر والتي تورط فيها فرنسيون وبلجيكيون من أصول مغربية.
وقالت مصادر أن مسؤولين أمنيين مغاربة قدموا معلومات ساعدت الفرنسيين في القيام بمداهمات في ضاحية سان دوني الأسبوع الماضي قتل فيها عبد الحميد أباعود أحد أهم المشتبه بهم في هجمات باريس والتي اعتبرت الأسوأ في فرنسا منذ الحرب العالمية الثانية.
وقال الحبيب الدقاق وهو أستاذ جامعي ومحلل سياسي إن التعاون الأمني بين المغرب وفرنسا وبلجيكا “فرضته مجموعة من الظروف ليس فقط لكون المهاجمين من أصول مغربية.. بل بسبب فعالية الأجهزة الأمنية المغربية وقدرتها على العمل في إطار الحرفية والمهنية العالية نتيجة للتجارب التي راكمتها منذ التفجيرات الانتحارية التي هزت الدار البيضاء في العام 2003.”
وأبلغ الدقاق رويترز “مكانة المغرب والتزاماته تجاه المتعاملين معه أيضا يفرض هذا النوع من التعاون.. فهو شريك متوسطي وكذلك له وضعه المتقدم مع أوروبا بالاضافة إلى علاقته مع حلف الإطلسي.. كل هذه الالتزامات تفرض عليه أن يكون مهيأ ومحصنا.”
وهزت تفجيرات انتحارية الدار البيضاء في 2003 مخلفة 45 قتيلا بمن فيهم المهاجمون الثلاثة عشرة الذين نفذوها وألقت السلطات بالمسؤولية في تلك الهجمات على متشددين إسلاميين.
ورفعت الأجهزة الأمنية في دول المغرب العربي من درجة الحيطة والحذر بعد أن أحدثت القاعدة جناح لها في شمال إفريقيا وظهور أتباع لتنظيم الدولة الاسلامية في العراق والشام (داعش).
وتبنى داعش تفجيرا انتحاريا في تونس يوم الثلاثاء الماضي استهدف حافلة تابعة للأمن الرئاسي أودى بحياة 12 شخصا على الأقل.
وأشارت إحصائيات رسمية إلى أن المغرب فكك أكثر من 140 “خلية ارهابية” منذ تفجيرات الدار البيضاء في إطار خطة استباقية للاجهزة الأمنية المغربية.
وقالت السلطات في وقت سابق هذا العام أن 1354 مغربيا يحاربون في صفوف جماعات مسلحة في سوريا والعراق اعتقل منهم 220 عند عودتهم إلى المغرب وقتل 286.
كما يضم التنظيم نحو 158 إمرأة و135 طفلا مغربيا.
وأفادت مصادر رسمية أنه بعد المكالمة الهاتفية بين العاهلين البلجيكي والمغربي أجرى وزير الداخلية محمد حصاد مباحثات مع نظيره البلجيكي لمناقشة “تفعيل ملموس وفوري لهذا الطلب على غرار التعاون القائم مع فرنسا.”
وأضافت نفس المصادر أن عبداللطيف الحموشي المدير العام للأمن الوطني وإدارة مراقبة التراب الوطني (المخابرات الداخلية) وياسين المنصوري المدير العام للدراسات والمستندات (المخابرات الخارجية) أجريا مباحثات مع نظيريهما البلجيكيين للغرض نفسه.
وقال الدقاق “أجهزة الأمن المغربية تشتغل بحرفية كبيرة ففي كل مرة يتم وضع حد للجماعات الإرهابية في مختلف المناطق المغربية.
“إلتزامات الدولة وأمن المواطنين.. كل هذه الجوانب كانت رهن إشارة الأجهزة الأمنية الأجنبية.”
ويرى بعض المحللين أن السياسة الاستباقية التي تنهجها الدولة في تفكيك “الخلايا الارهابية” قد تضر بصورة المغرب في الخارج مما يؤثر على السياحة والاستثمار لكن الدقاق يرى العكس قائلا أن هذه السياسة “خدمت المغرب وأعطت صورة عن المغرب البلد المستقر إذ نجد أن عدد المقاولات الأجنبية في المغرب في ارتفاع مستمر.”
وأظهرت إحصائيات من مكتب الصرف المغربي في وقت سابق من هذا الشهر أن الاستثمار الأجنبي المباشر قفز 14 بالمئة إلى 29.20 مليار درهم أو حوالي 3 مليارات دولار في الأشهر العشرة الأولى من هذا العام.
ومن جهته يرى محمد بنحمو المحلل السياسي ورئيس المركز المغربي للدراسات الاستراتيجية أن “الأجهزة الأمنية المغربية اكتسبت خبرة وطورت إمكانياتها وتتوفر على كفاءات في مواجهة هذه القضايا سواء من خلال فهمها الجيد أو من خلال احتواء هذه الظاهرة في جانبها الأمني مما جعل مقاربتها تدخل في إطار السياسة الأمنية المغربية الاستباقية.”
وأبلغ بنحمو رويترز أن “التعاون الأمني هو ضرورة بالنسبة لمختلف الدول… وهناك وعي بأن الارهاب عدو مشترك وبالتالي يجب أن تكون المواجهة جماعية.
“المغرب يؤمن بضرورة التعاون الدولي وضرورة تبادل المعلومات لمواجهة هذه التهديدات الجديدة والناشئة فالمغرب يتصرف كدولة مسؤولة ومتضامنة ومنخرطة في مواجهة التهديد الارهابي.”
ويتفق مع الدقاق في أن “المقاربة المغربية التي تدخل في اطار السياسة الاستباقية أظهرت فعاليتها ونجاعتها من خلال تفكيك العديد من الخلايا الارهابية ومن خلال كذلك إبعاد شبح الكثير من العمليات الارهابية عن المغرب.”
وقال بنحمو “للأسف الشديد فإن أكبر تحد تواجهه الدول في العقد المقبل… هو التحدي الارهابي.”
وأضاف أن هذه الجماعات نقلت مسارح عملياتها من سوريا والعراق إلى باقي بقاع العالم “فقد دخلنا في عاصفة إرهابية تضرب في أماكن ومناطق عدة وتأخذ طابع الاستمرار في الزمن.. على الأقل عقدا من الزمن وبالتالي يظل التعاون الدولي هو المفتاح الذي من خلاله يمكن للدول ان تواجه هذا الخطر.”
غير أن محللين يرون أن المغرب لا يضع خبرته الامنية الصرفة فقط رهن إشارة حلفائه لمواجهة الارهاب بل يزاوجها مع مقاربات أخرى لا تقل أهمية عن المقاربة الأمنية وهي المقاربة الدينية أو الروحية.
وأطلق المغرب قبل أكثر من عام خطة لاصلاح الحقل الديني “تقوم على تحصين المساجد من أي استغلال والرفع من مستوى التأهيل لخدمة قيم الدين ومن ضمنها قيم المواطنة وذلك في إطار مباديء المذهب المالكي.”
وامتدت سياسة المغرب في المجال الديني من “تحصينه من التطرف” إلى تأهيل المغرب لائمة في دول افريقية عديدة بطلب منها من بينها ليبيا ومالي والسنغال وغينيا وساحل العاج والجابون.. كما طلبت فرنسا من المغرب تأهيل أئمة مساجدها.
ويقول الدقاق “تأهيل الحقل الديني كان عاملا مهما فحينما نقول الأمن هناك أنواع متعددة منه والأمن الروحي يأتي على رأس الأولويات على اعتبار أن هذه التنظيمات المتطرفة تتغذى على أفكار هدامة.”
وأشار الدقاق إلى طلب عدة دول من المغرب مساعدتها في تأهيل أئمة المساجد والحديث عن “نموذج الاسلام المغربي المعتدل”.
من زكية عبد النبي