يعد النقاش الذي أثارته تكنولوجيا الجيل الخامس في مجال الهواتف المحمولة، وتباين الآراء حولها، من بين أهم المواضيع التي احتلت مكانة مهمة خلال سنة 2020.
فقد ارتفعت العديد من الأصوات للمطالبة بوقف استخدام هذه التكنولوجيا، أو على الأقل تأجيل استخدامها إلى حين إنجاز دراسات مستقلة لمعرفة مدى تأثيرها على الصحة والبيئة. بالمقابل، يرى عشاق التكنولوجيا أن هذه التقنية تجسد تطورا هائلا بالمقارنة مع سابقتها (تقنية الجيل الرابع)، حيث تتيح اتصالا أسرع ب100 مرة، ووقت استجابة أقل ب10 مرات.
وأوضح بعض الخبراء أنها أيضا تقنية أقل استهلاكا للطاقة، وستسمح باستقلالية أفضل للأجهزة الالكترونية.
لكن يبدو أن تقنية الجيل الخامس ست حدث ثورة في مجال الصحة، وعلى الخصوص “الصحة عن بعد”، بفضل اتصالها السريع، والأكثر استقرارا وأمانا، مما سيتيح تفاعلا في الوقت الحقيقي داخل الوسط الصحي وأيضا مع المرضى. ويقصد بالصحة الالكترونية مجموع الوسائل والخدمات المرتبطة بالصحة التي يتم إنجازها بمساعدة الأنترنيت، والتطبيقات، والهواتف الذكية. وتشمل على الخصوص الطب عن بعد، وهي ممارسة تأكدت أهميتها خلال الأزمة الصحية الناتجة عن وباء (كوفيد- 19).
وهكذا، شهدت العديد من الدول الأوربية ارتفاعا ملحوظا في عدد الاستشارات عن بعد خلال فترة الحجر الصحي، وشكلت أزيد من 10 في المائة من مجموع الاستشارات المنجزة.
وعلى الرغم من محدودية هذه الممارسة، لا سيما إجراء التشخيص الأول ، فإن الاستشارة عن بعد توفر ميزة مهمة بالنسبة لمرحلة متابعة المريض ، مما يجعل من الممكن تبادل المعلومات بسرعة أكبر حول تطور الحالة الصحية للمريض ، لتكييف جرعات الأدوية أو تجديد الوصفة الطبية.
ومن بين المستجدات التي تنطوي عليها تكنولوجيا الجيل الخامس، تشكل الجراحة عن بعد التقدم الأبرز. فهي تتيح إمكانية إجراء عمليات جراحية عن بعد بفضل روبوتات طبية تتيح دقة الفعل الجراحي ورد الفعل اللمسي، وهو ما يمكن من قياس مدى تناسق أنسجة الجسم البشري أثناء إجراء العملية. على أن هذه الجراحة تمثل ابتكارا هائلا سيتطلب استثمارات ضخمة لاقتناء المعدات، وهو ما سيجعل الأسعار غير متاحة لعامة الناس، على الأقل في البداية. وبالتالي، فإن التطبيب عن بعد سيكون أول المستفيدين من مزايا هذه التكنولوجيا، التي تقلص من تكاليف التنقل وتحل مشكلة “الصحاري الطبية”، أي المناطق الجغرافية التي يواجه فيها السكان صعوبة في الحصول على خدمات الرعاية الصحية. وقد باشرت المملكة تفعيل هذا التصور في سنة 2018 من خلال تجهيز المراكز الصحية في المناطق النائية بأجهزة التطبيب عن بعد، مما يتيح لسكان هذه المناطق الحصول على رعاية مناسبة وجيدة.
وهكذا سيتمكن ميدان الطب من تجاوز إشكالات الحدود الجغرافية والتغلب على مشاكل التغطية بالنظر إلى أنه من المفترض أن تغطي تقنية الجيل الخامس مجموع التراب الوطني تقريبا.
وينضاف إلى ذلك ما تشهده التطبيقات الخاصة بالصحة من تطور هائل، إذ تجمع هذه التطبيقات المعلومات الصحية للمستخدمين بشكل آني، جنبا إلى جنب مع إنترنت الأشياء والترابط الحاصل فيما بينها ومع البشر، بحيث ستوفر تكنولوجيا الجيل الخامس ما يشبه السجل الصحي الرقمي.
ويتوقع أن تتيح هذه المستجدات مستقبلا رعاية أفضل للمرضى أثناء مرحلة الوقاية وكذا خلال مرحلة التتبع بعد اكتشاف المرض، ما يجعل من تكنولوجيا الجيل الخامس أداة تعزز أداء الأطقم الطبية.