يصدر قريبا، عن دار الوطن، كتاب يؤرخ للحركة الإسلامية بالمغرب، تحت عنوان “رحلتي داخل الحركة الإسلامية” لصاحبته مريم التيجي، هذه فقرات من الكتاب:
لم يخل مجلس من مجالس الإخوان، التي كانت مخصصة في ذلك الوقت (نهاية الثمانينيات وبداية تسعينيات القرن الماضي)لاستقطاب الشباب للتنظيمات الإسلامية، من الحديث عن “عبد الإله بنكيران” لدرجة أنه ترسخت في قلوب الجميع كراهية شديدة تجاهه، وتجاه تنظيمه “البوليسي” كما صرنا نعتقد بيقين لا يعلوه شك.
…وشهادة للتاريخ، أتذكر أن عبد الاله بنكيران قال لنا صراحة في أحد اللقاءات، أنه متيقن بأن قاتل “عمر بنجلون” هو “عبد الكريم مطيع”، وأن هذه الجريمة كانت خطأ كبيرا قصم التنظيم، وزج بالعديد من الأبرياء في المعتقلات والسجون.
كما أن أحد الأسباب القوية التي كانت تملي على المنسحبين من تنظيم “الشبيبة الإسلامية” أن يعلنوا عن مواقفهم وعن تمايزهم عن التنظيم الأم، إضافة الى حملة الاعتقالات التي كانت تطالهم عقب نشر أي بيان من البيانات النارية التي كان يرسلها “مطيع” بين الفينة والاخرى، هو موقف الزعيم الهارب من قضية الصحراء، والذي اعتبر خطأ قاتلا، لا يقل خطورة عن خطأ تدبير اغتيال أحد قيادات “الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية” سنة 1975. قال عنه بنكيران في أحد اللقاءات التنظيمية “كان النقطة التي أفاضت الكأس” ..إضافة الى خطأ تأسيس جناح مسلح تحت مسمى “منظمة المجاهدين” …
…في مثل هذا الجو المشحون على أرض الواقع، اقتنعت “الجماعة” بموقف كان يبدو شاذا و استمات في الدفاع عنه عبد الإله بنكيران، وكان ينظر له بهدوء الراحل عبد الله بها.
وكان هذا الموقف يتمثل في الدعوة الى “تجاوز نفسية التوجس والحذر من طرف الدعاة من جهة ومن طرف الأجهزة الرسمية من جهة أخرى، في اتجاه ما يصلح مصلحة البلاد والوطن” حسب تصريحات بنكيران.
لقد كانت مواقف بنكيران مثار شك كبير بالنسبة لبقية الإسلاميين المغاربة، وكان يصعب أحيانا الدفاع عن بعضها حتى بالنسبة لنا.
خصوصا أن خصومه من خارج التنظيم كانوا يتهمونه أيضا باختراق “تنظيم الشبيبة الاسلامية”، واستغلال الأزمة التي كانت تعصف به لبناء تنظيم موال للنظام حسب قولهم.
ومما كان يقوي هذه التهمة في نظرهم أنه بنى كل مواقفه مباشرة بعد الاعتقال.
وتذهب تخمينات الخصوم الى أنه عقد صفقة مع الأجهزة الأمنية، حصل بموجبها على حريته مقابل الانسحاب من “الشبيبة الاسلامية” وتأسيس تنظيم جديد بمواصفات هذه الأجهزة.
بالنسبة لنا، ورغم ثقل هذه التهم التي أصبحت تطاردنا أيضا كأعضاء في التنظيم الجديد، كانت الحوارات الداخلية، والنقاشات الساخنة غالبا، وقدرة بنكيران الخطيرة على المواجهة والإقناع.. كل هذه العوامل وغيرها خلقت تيارا قويا مقتنعا تمام الاقتناع بالتصور الجديد الذي تطور من تغيير النظرة الى النظام الحاكم الى آفاق أخرى أكثر خطورة، كان يمكنها أن تخلق واقعا مختلفا لولا أن تم تسقيفها لاحقا وإعادتها الى مرحلة الثمانينيات في ظروف تاريخية أخرى..
فبعد أن كانت المسلمات السائدة غالبا هي أن المجتمع “جاهلي” بعيد عن الاسلام، والحاكم “طاغوت” والدولة ليست مسلمة في أدبياتنا القديمة.
أصبحنا نسمع لأول مرة أن “بلدنا بلد إسلامي، مرفوع فيه شعار الإسلام رغم انحرافات الواقع، مضمونة فيه حرية العقيدة والعبادة والدعوة”.
وهذا ما كان تقبله صعبا في البداية، ليس فقط خارج “جمعية الجماعة الاسلامية” ولكن بين أعضائها أيضا.
مما لم أستطع فهم أسبابه لحد الآن، وبعد مرور كل هذه السنوات، هو تلك العداوة الكبيرة والخفية التي كانت بين عبد الاله بنكيران وبين الشيخ عبد السلام ياسين.
وترجمت هذه العداوة الخفية على أرض الواقع بتلك الحملة التي استهدفت “جمعية الجماعة الاسلامية” عموما وبنكيران على وجه الخصوص.
فقد كان أعضاء “جماعة العدل والاحسان” فيما بعد ومنذ أن كان اسم جماعتهم “أسرة الجماعة” وكان شيخها يحمل شعار الوحدة ويدعو إليها، يعتبرون “الجماعة الاسلامية” آنذاك “تنظيما بوليسيا عميلا” ” وتم إلصاق أبشع التهم بأعضائه.
بل وصل الأمر خصوصا في المواقع الجامعية فيما بعد إلى ممارسة العنف اللفظي والجسدي على من كانوا يعتبرونهم مجرد “خونة”. .
في هذه المرحلة ظلت التوجيهات والتعليمات الداخلية بالنسبة لنا صارمة بعدم الرد علنا على الإشاعات والاتهامات التي كان ينشرها “إخواننا”.
فقد كشف عبد الاله بنكيران سنوات طويلة بعد ذلك، أن الشيخ ياسين قال يوما “عبد الإله باع الدعوة” وعندما بلغ بنكيران ذلك أوفد له أربعة أشخاص، على رأسهم عبد الله بها.
وعندما استفسروا الشيخ عن قولهم أجابهم “إذا ضركم أن أقول عبد الاله باع الدعوة، فأقول لكم ان الدعوة قد بيعت” فرد عليه بها “قل لنا من باع الدعوة ومن الذي اشترى ومن قبض الثمن؟”.
وحسب شهادة بنكيران، فإن عبد الله بها اقترح على الشيخ أربع خيارات :”أن تكف عنا ونكف عنك وفي ذلك صالحنا وصالحك، أو أن نحتكم لعقلاء القوم وتطرح حججك ونطرح حججنا فيحكموا بيننا، أو أن نبتهل في المساجد فنجعل لعنة الله على الكاذبين، أما الخيار الرابع فهو أن نوكل أمرنا الى الله”.
ووفق الشهادة التي سمعتها قبل ذلك مباشرة من بنكيران في أحد اللقاءات التي كان يشرف عليها في بيته في إطار تأطير “التنظيم النسوي”، دون أن أتذكر تاريخها بالضبط. فقد طلب الشيخ من رفاق بنكيران أن يعودوا لزيارته بعد أسبوع ليحصلوا على جوابه بخصوص اقتراحاتهم.
وفي الوقت المحدد بادرهم الشيخ بسؤال :قلتم أن نكف عنكم وتكفوا عنا، فهل لا ننتقدكم؟. فكان جواب عبد الله بها “انتقدونا لكن لا تتهمونا”، فرفض هذا الخيار (دائما حسب شهادة بنكيران وعبد الله بها)، كما رفض الخيار الثالث لأن المباهلة لا تكون الا مع الكفار حسب قوله، وجوابا على الخيار الثاني قال لهم “نفضل أن نحل مشاكلنا فيما بيننا” ليرد عليه باها “إذن لم يبق الا الخيار الرابع”.