يجيب الباحث بالمعهد العلمي التابع لجامعة محمد الخامس بالرباط (شعبة الجيو-مورفولوجيا والجيو-ماتيك)، بوشتى الفلاح، عن ثلاثة أسئلة لوكالة المغرب العربي للأنباء حول الخاصية الطبيعية للمملكة وموقعها بين المناطق الجافة في ضوء التساقطات المطرية المهمة التي عرفتها مع مطلع السنة الجارية.
1- ما هي مسببات الجفاف من الناحية العلمية؟
مع حدوث بعض الكوارث الطبيعية، يدخل المجتمع بكل فئاته حالة ترقب وتتبع لتغيرات الطبيعة، علما أن لنا جميعا كمواطنين قناعات بتقلبات متعاقبة تتأثر لها أوساطنا الجبلية والقروية والحضرية، فتؤثر سلبا في استقرار الأفراد والأنشطة وأساليب العيش، كما أن انعكاسها على الموارد الطبيعية (ماء وتربة ونبات) يتغير بين السلبي والإيجابي.
تتعدد المخاطر الطبيعية ويمكن أن تصيب هذه المنطقة أو تلك، ويحصل ذلك طبعا كلما اجتمعت الشروط والأسباب التي تؤدي إلى اضطراب وتيرة المنظومة الطبيعية أو فقدان توازنها.
والجفاف مرتبط بحضور أو غياب الماء، حضور قليل أو نقصان يعجز عن تلبية الحاجيات اليومية للسكان، وهو عجز ناتج عن تمدد خلايا الضغوط شبه المدارية، بحيث يحصل انخفاض في الرطوبة وتجفيف للهواء خلال فصلي الخريف والربيع، وانتقال مكوكي للتيار شمال الأطلنتي الذي تصحبه الرطوبة من المغرب جنوبا نحو إيسلندا شمالا، ومفعول التضاريس بتظليلها للسفوح الشرقية وترطيب ضعيف للسفوح الغربية.
كما أنه ناتج عن تيارات بحرية موازية لخط الساحل المغربي يمنع الرطوبة من دخول القارة، وارتفاع استثنائي للحرارة وكثرة التبخر، وتوقف غير عادي للأمطار لمدة أطول مما تتحمله الكائنات الحية، ونقص في معدلات الأمطار بنسب تتجاوز 50 في المائة، وتقلص معاملات الجفاف ومعاملات الخصاص في الأمطار بما يعادل مائة ملم اللازمة للإنبات، وهو ما يناسب 40 يوما متواصلة بدون أمطار.
2- هل يمكن اعتبار المغرب منطقة جافة؟
يعتبر الجفاف سمة غالبة في المناخ المغربي بدء من بنية توزيع التساقطات وطابعها الجهوي حسب الموقع من خطوط العرض والارتفاع والقارية. ولعل الخريطة البيو-مناخية للمغرب دليل حاسم حول القحولة والجفاف المتكرر بالمغرب.
شكلت سنوات الجفاف ما بين 1980 و1995 فترة مرجعية للتعمق في الظاهرة خاصة أنها الأقرب زمنيا للوضع الذي تعيشه مختلف الأوساط المغربية إن على مستوى تدبير الموارد المائية والنباتية والحيوانية، أو من حيث وضع الأتربة من تعرية وتجفيف وتصحر وزحف للرمال، أو من حيث توالي حالات عواصف الرعد وزخات مطرية والفيضانات الخطية بجل الأودية وبالمدن.
وعن تأريخ الأحداث وسنوات الشح والقحط، ورد في كتب مؤرخين أن هناك تزايدا واضحا في عدد السنوات الجافة خلال الألفية الثانية مردها إلى تزايد عدد السكان وزيادة الطلب على الموارد. والقرن ال20 حالة منفردة بحكم معطيات يومية معممة وتكنلوجيا متطورة لضخ المياه الجوفية تعويضا عن المياه الجارية.
لا ننسى أن المغرب يتوسط إقليما مناخيا كبيرا هو الصحراء الكبرى وآخر معتدل أوربي رطب. ومن هنا يتغير وقع الجفاف من إقليم طبيعي لآخر يكون محددا لأزمات مختلفة الامتداد، إذ يمكن تصنيفها كجفاف رصدي يتضح من غياب التساقطات خلال فترة استباقية محدودة، وجفاف فلاحي ذي بعد اقتصادي-اجتماعي يتضاعف مفعوله لغياب تساقطات الربيع فيتأثر له الزرع وينعدم المأكل ويجف الضرع، وجفاف هيدرلوجي تنضب معه العيون والآبار جراء نزول مستوى الفرشات المائية فتجف الأودية ويتوقف الجريان وتتحدد طبيعته خلال فصل الخريف والشتاء.
ويقابل ظاهرة الجفاف نقيض يتمثل في تعاظم نسبة الرطوبة الجوية جراء كثرة الأمطار والثلوج. ولعل ما يفوق أو يقل عن قيمة انحراف التساقطات ب50 ملم، كمعدل سنوي للأمطار العادية، يعتبر مؤشرا على موسم رطب أو موسم جاف ينعكس سلبا أو إيجابا على الدولة بنقطة أو نقطتين في نسبة النمو السنوي.
3- هل من قراءة في أمطار وثلوج يناير 2021؟
الواقع أن كل إقليم جغرافي مغربي يفرز مسببات متغايرة لوقع التساقطات والمخاطر التي قد تنشأ منها (التباين ما بين جبال الريف وجبال الأطلس، وما بين ساحل المتوسط والساحل الأطلنتي أو حالات مرتبطة بالنجود العليا وأخرى بالهضاب الصحراوية…). ولعل وقع هذه التساقطات رهين بكمياتها كما بأشكال التعمير ووظائفه (بين مدن عتيقة وحديثة، بين منشآت حيوية أو خدماتية، بين منطقة عمرانية أو صناعية وأخرى سياحية..).
غير أن ما يثير الانتباه بشأن الحالة الجوية للعشرية الأولى من يناير 2021 أنها أمطار عنيفة ومركزة على الواجهة الأطلنتية ما بين سيدي إفني وطنجة تضررت منها المدن فقط دون باقي المجالات، وثلوج عمت مجموع التراب الوطني بوقع مختلف ما بين الساحل والداخل وما بين السهول والجبال وامتدت حتى ما وراء تافيلالت والحمادات مع طمر جزئي لبعض الجهات الوسطى.
أظهرت أمطار يناير 2021 مجموعة من الأعطاب المرتبطة بكثافة السكان والسكن وبالفجائية نظرا لإصابتها الأنسجة الأسرية والعائلية والمهنية جراء فقدان الممتلكات وتحطم البنيات وصعوبة استجابة المصالح العمومية لخدمات بديهية، كونها آنية وبالآلاف يستحيل تلبيتها (إنقاذ، إسعاف، علاج، اتصال، توفير الماء، توفير الأمن، محاربة التلوث…)، وهو ما يؤكد وتيرة الانتقاد والاحتجاج الموجه للممثلين والإدارة.
من شأن الشعور بعدم الاطمئنان والخطر تأسيس مشروع إعادة البناء عن طريق زرع روح التكافل والتآزر بين مكونات المجتمع وتنمية التربية على المواطنة، ثم في مرحلة لاحقة عبر برمجة وتهيئة وإعداد المجال تحسبا للمستقبل، مما يقتضي معه التوفيق بين متطلبات المصلحة العامة وبين إمكانيات وأدوات هزيلة ساهمت نفس الكوارث في تقلصها. ولا شك أن مقاربة مثل هذه الإشكاليات قد اختبرتها المؤسسات المعنية في مئات الحالات التي عرض لها المجال الوطني منذ ستينيات القرن الماضي.