توصل تقرير استخباراتي أمريكي الجمعة إلى استنتاج بأن “ولي عهد المملكة العربية السعودية محمد بن سلمان أجاز عملية في إسطنبول بتركيا، لاعتقال أو قتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي” في قنصلية بلاده هناك في أكتوبر 2018. وقال المسؤولون الأتراك إنه قُتل على أيدي مجموعة سعودية مكونة من 15 رجلا قاموا بخنقه وتقطيع جسده إلى أشلاء لم يُعثر عليها بعد.
ذكر تقرير استخباراتي أمريكي الجمعة أن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان “أجاز” قتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي.
وقال تقرير الاستخبارات الوطنية الأمريكية، المكون من أربع صفحات، الذي رفعت عنه السرية، “توصلنا إلى استنتاج مفاده أن ولي عهد المملكة العربية السعودية محمد بن سلمان أجاز عملية في إسطنبول بتركيا، لاعتقال أو قتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي”. وأضاف أن “ولي العهد اعتبر خاشقجي تهديدا للمملكة وأيد بصورة عامة اللجوء إلى تدابير عنيفة إذا لزم الأمر لإسكاته”.
تحول تاريخي
نفذ محمد بن سلمان سلسلة تغييرات اقتصادية واجتماعية ودينية غير مسبوقة في المملكة المحافظة بعد أن اصبح وليا للعهد، تلتها حملة قمع عنيفة ضد المعارضين والناشطين. وأشرف الحاكم الفعلي للسعودية البالغ من العمر 35 عاما على أهم تحول جوهري في التاريخ الحديث للدولة الخليجية وأبعد جميع منافسيه بعدما أصبح وليا للعهد في يونيو 2017.
وشملت حملة القمع التي قادها منتقدين ومعارضين محتملين بينهم رجال دين ونشطاء وكذلك أمراء، وواجه عاصفة من الإدانات بعد مقتل خاشقجي داخل قنصلية المملكة في إسطنبول في أكتوبر 2018.
وكان الأمير الشاب قد تعهد بنقل المملكة المحافظة إلى كنف “الإسلام المعتدل”، ففتح أبواب الترفيه والسياحة وجذب مستثمرين أجانب لتنويع مصادر اقتصاد بلاده المرتكز على النفط.
وقال في مؤتمر في الرياض في يونيو 2017 “نريد أن نعيش حياة طبيعية، حياة تترجم ديننا السمح وعاداتنا وتقاليدنا الطيبة”. وأضاف “70 بالمئة من الشعب السعودي هم دون 30 عاما، وبكل صراحة لن نضيع 30 سنة من حياتنا في التعامل مع أي أفكار مدمرة، سوف ندمرها اليوم وفورا”.
على الساحة الدولية، تصاعدت التوترات في الشرق الأوسط مع تسلمه زمام الأمور ولو من خلف الستارة في الدولة الثرية التي تتنافس مع جارتها إيران على النفوذ الإقليمي منذ عقود.
ومحمد بن سلمان هو المهندس الرئيسي للحرب التي تقودها السعودية مع تحالف عسكري واسع ضد الحوثيين في اليمن المؤيدين لإيران. وصعد المواجهة مع طهران، وقاد مقاطعة دامت ثلاث سنوات ضد الجارة قطر.
في الداخل، أشرف الأمير على عدد كبير من إجراءات التقشف التي لا تحظى بشعبية، بعدما كان المواطنون يحصلون على مساعدات سخية وإعانات، مشيرا إلى ضرورة تنويع موارد اقتصاد المملكة القائم على النفط.
صعود سريع
ولد الأمير محمد في 31 أغسطس 1985، وهو حائز على إجازة في الحقوق من جامعة الملك سعود، وهو والد لولدين وبنتين.
تمكن في 21 يونيو 2017، بمساندة والده، من إزاحة ولي العهد ابنه عمه محمد بن نايف والحلول محله. في مارس 2020، اعتقل بن نايف وشقيق الملك الأمير أحمد بن عبد العزيز آل سعود لاتهامهما بتدبير انقلاب بهدف إطاحته.
جمع الأمير محمد بالفعل سلطات لم يتمتع بها الحكام السعوديون السابقون في إطار مناصب عدة مهمة بينها وزارة الدفاع ورئاسة مجلس إدارة صندوق الاستثمارات العامة الضخم. ويقال عنه إنه يعمل 16 ساعة في اليوم.
وخلال فترة وجيزة، أصبحت لولي العهد علاقات وثيقة مع البيت الأبيض بقيادة دونالد ترامب، خصوصا مع صهر الرئيس ومستشاره جاريد كوشنر، ما ساعده على التعامل مع قضية خاشقجي.
تغييرات دراماتيكية
أطلق ولي العهد برنامجا واسعا للإصلاحات الاقتصادية في بلاده، أكبر مصدر للنفط في العالم، بعنوان “رؤية 2030″، لوقف الاعتماد على النفط كمصدر رئيسي للإيرادات، شمل إدراج نسبة بسيطة من شركة أرامكو النفطية في البورصة.
كما ساعد على إصدار القرار التاريخي بالسماح للنساء بقيادة السيارات وحضور الفعاليات الرياضية والمهرجانات والحصول على جواز سفر من دون موافقة “ولي الأمر” أي الرجل. وعمل على تقليص نفوذ الشرطة الدينية في المملكة المحافظة، وسمح بالحفلات الموسيقية وإعادة فتح دور السينما.
في الوقت ذاته، بدا واضحا أنه غير متسامح مع أي معارضة أو انتقاد لسياساته. قبل أسابيع من السماح للمرأة بقيادة السيارة في 2018، شنت السلطات حملة اعتقالات طالت 11 ناشطة على الأقل كن يطالبن برفع الحظر عن قيادة المرأة للسيارة.
وأشرف قبل ذلك على تعديل دراماتيكي شهد استبدال كبار الضباط بمن فيهم رئيس الأركان ورؤساء القوات البرية والدفاع الجوي بقادة أصغر موالين له ما زاد من نفوذه داخل القوات المسلحة.
وكتب الباحث في برنامَج الشرق الأوسط في معهد كارنيغي فريدريك ويري أن محمد بن سلمان “تمكن في وقت قصير جدا من اكتساب نفوذ وسلطة استثنائيتين”.
وأضاف “فرغ نفسه للانخراط في مواجهات سيئة في الخارج تضعف القوة السعودية، ما يعرض المملكة لتهديدات عسكرية أكبر ويخيف المستثمرين”.