شخصية أسطورية ارتبط اسمها بالمقاومة ضد الظلم، إنها رائدة العيطة الشيخة خربوشة، التي اشتهرت بجرأتها وبصوتها الشجي الذي يتحدى الزمن ويتجاوز الأجيال.
خربوشة، واسمها الحقيقي حادة الغياثية، هي شخصية رئيسية في الموروث الشعبي المغربي، تنحدر من منطقة آسفي.
تشبعت المتمردة الشابة بقيم الحرية والعدالة، ونددت بالتجاوزات والتعسفات التي مارسها ممثل السلطة المحلية آنذاك (القائد عيسى بن عمر).
ومن خلال أغانيها الملهمة، ناضلت خربوشة ونادت بممارسة العصيان وعدم الامتثال لسلطة القائد.
وبدون هذه الأيقونة الشعبية، ربما لن يكون هناك وجود لفن العيطة.
فخربوشة، علاوة على كونها شاعرة ومغنية ومحرضة على المقاومة ضد الظلم، كانت من الناجيات القليلات لحركة مقاومة واسعة نفذتها قبيلتها ضد السلطة “التعسفية” للقائد.
فقد كان الإخلاص لقبيلتها، من خلال أغانيها، مجرد وسيلة للبقاء قريبة من عائلتها، وهي التي كرست أعمالها للتنديد بالتعسف في ممارسة السلطة وبالظلم الناتج عنه.
وفي هذا الصدد، يقول ابراهيم المزند، المدير الفني لمهرجان “تيميتار” لموسيقى العالم بأكادير، أن خربوشة، التي كانت تجسيدا لأيقونة التمرد والناطقة باسم الشعب، شكلت نقطة حاسمة في بناء شهرة المرأة في المغرب عموما، والشيخة بشكل خاص.
وسجل المزند، في حديث لوكالة المغرب العربي للأنباء، أن الشيخة أصبحت شعار المرأة التي تحرر نفسها من الوظائف التي يحددها لها المجتمع، والتي تناضل إلى جانب الرجل، وتنخرط في الحياة السياسية، مضيفا أنه مع هذه الفنانة الأسطورية، تتحول الصرخة إلى أنشودة تجسد المعاناة وتدعو إلى تجاوز الذات.
وتابع أن خربوشة تنحدر، بحسب الأساطير، من قبيلة أولاد زيد، وهي القبيلة الوحيدة التي لم تخضع في ذلك الوقت لسلطة القائد عيسى بن عمر. وبما أن هذا الأخير كان غير راض عن هذا الأمر، فقد أمر بقتل أعضاء القبيلة وخاصة نساءها.
وأشار إلى أن خربوشة تدين القائد في أغانيها، مستحضرة كذلك كل الشخصيات الاستبدادية في ذلك الوقت، وتصف القائد بالمتعطش للدماء. كما تعرب عن غضبها الشديد وتمردها وتدعو الرجال القلائل الذين بقوا على قيد الحياة للثأر لقبيلتهم ولأرض أولاد زيد.
وسجل المزند أنه كان يجب النبش في تاريخ ما قبل الاستعمار، لإعادة اكتشاف قصة الأيقونة التي ثارت ضد عيسى بن عمر، والذي كان قد أظهر شهية كبيرة للسلطة والثروات.
وفي أغانيها، دعت خربوشة أبناء قبيلتها إلى الانتفاض ضد الظالم، مذكرة بن عمر بأن الجميع سيقف في نهاية المطاف أمام العدالة الإلهية.
ويحكي ابراهيم المزند أن كل الروايات تشير إلى أن نهاية خربوشة كانت مأساوية بكل المقاييس.
فقد دعاها القائد عيسى إلى منزله لتغني له، ورغم التخوف الذي انتابها إلا أنها تشجعت وأدت أغنيتها الشهيرة أمامه.
وعند نهاية الأداء، أمر القائد بدفنها حية في منزله.
وهكذا، جسدت هذه الفنانة أساطير المغرب في القرن التاسع عشر بشكل لا مثيل له، حيث جمعت بين سحر الطبيعة وعاطفة الحب التي لا تنفصل عن الالتزام السياسي.
وكانت خربوشة أول امرأة في تاريخ الفن المغربي تتمتع بجرأة مطلقة في التعبير عن الأحداث التي تمس الجميع، وليس فقط المرأة.
وعلى عكس الآخرين، فإن خربوشة ظلت تلك الغريبة التي كتب لها أن تستمر شهرتها، ويتحدث عنها الجميع، رغم مرور كل هذا الوقت.
لأنها كانت متأكدة من أن عملها الفريد سيعرف صدى متزايدا في المستقبل، بفضل فن العيطة الذي ما زال ينقل أغانيها إلى اليوم.
وتدخل خربوشة في إطار الأساطير والحكايات الشعبية المغربية، كما أنها جزء من التراث الشفوي للبلاد، واسم لا محيد عنه في أغاني العيطة.
ومن النادر أن تجد فنانا للعيطة لم يقم بتأدية ولو أغنية واحدة لهذه الأسطورة الخالدة.