تطرح ظاهرة الأطفال المتخلى عنهم عدة إشكالات تتعلق بتوفير الوقاية والحماية لهم، من خلال اعتماد حلول جذرية تساهم في، الحد من هذه الظاهرة التي تؤثر سلبا على تناسق المجتمع، وتجنيبه عددا من المشاكل.
ويعتبر الشباب، الذي يعد جزءا أساسيا في بناء المجتمعات، الشريحة الأكثر تأثرا بهذه الظاهرة على العديد من المستويات، وكذا الأكثر عرضة للأزمات والمؤثرات السلبية الناتجة عنها.
وفي هذا السياق تحديدا ، تضطلع جمعيات المجتمع المدني بدور أساسي وهام لتحقيق الوقاية والحماية لهذه الشريحة من المجتمع ، التي يمكن أن تكون إيجابية في حالة وجود مواكبة تركز بالأساس على التربية والعناية.
ومن بين الجمعيات النشيطة في هذا المجال “الجمعية المغربية لليتيم”، التي تتكون من مجموعة من الشباب معظمهم من الأيتام، أخذوا على عاتقهم حمل مشعل الدفاع عن مصالح الأطفال خاصة المتخلى عنهم.
وفي هذا السياق أبرز رئيس الجمعية، ياسين رفيع، أن الحديث عن الأطفال المهملين أو المتخلى عنهم، والذين يولد أغلبهم خارج مؤسسة الزواج الشرعي ، يحيل بالضرورة إلى موضوع الأمهات العازبات، مضيفا أن هذه الفئة من المجتمع تتخبط بين مفاهيم الحلال والحرام ، ثم القوانين التي لا تعترف إلا بمؤسسة أسرية واحدة المبنية على الزواج الشرعي.
وتابع في حديث مع وكالة المغرب العربي للأبناء، أن عدد مراكز الرعاية الخاصة بهذه الفئة تغطي خدماتها نسبة قليلة لا تتعدى 2 في المائة من هؤلاء الأطفال، مضيفا أن هذه المراكز تشرف عليها مؤسسات المجتمع المدني التي تتلقى دعما “جد ضعيف”، لا يمكنها من أداء واجبها على النحو المطلوب .
وتساءل عن مصير باقي الأطفال الذين لم تسعفهم الأقدار أن يتم استقبالهم من قبل هذه المراكز، فضلا عن مصير العدد القليل من الأطفال الذين يتم إيداعهم لدى أسر كفيلة .
وسجل أن “العجز المالي” الذي تعانيه مؤسسات الإيواء ، تنتج عنه معدلات الفشل الدراسي والهدر المدرسي، مضيفا على سبيل المثال لا الحصر ، أن 37 في المائة من هذه الفئة تمكنوا من تحقيق النجاح في دراستهم برسم سنة 2019 ، في حين أن 40 في المائة منهم فشلوا دراسيا، و22 في المائة منقطعين عن الدراسة، بينما بقى معدل 1 في المائة ضمن حالات الغش.
وذكر رئيس الجمعية أن أزيد من 65 في المائة من نزلاء دور الأطفال هم شباب تفوق أعمارهم 18 سنة، 55 منهم من العاطلين عن العمل ولا يتابعون أي برنامج تكويني أو دراسي، مشيرا إلى أن أغلب هذه المؤسسات تتواجد بأحياء شعبية جوار تجمعات سكنية تتميز بكثافة سكنتها، وبالتالي تصبح هذه الفئة فريسة للجريمة.
وواصل أن نسبة الجرائم التي يقترفها نزلاء المؤسسة الخيرية تتراوح ما بين 40 في المائة و50 في المائة من الجرائم، لافتا إلى أن نسب الجريمة القادمة من هذه المؤسسات لم تكن تتعدى نسبة 5 في المائة سنة 2010، و5ر0 في المائة إلى شبه منعدمة سنة 2000.
ومن أجل وقف نزيف آفة التخلي عن الأطفال واحتوائه، يقترح السيد رفيع، توسيع عملية دعم ومساندة الأمهات البيولوجيات للحفاظ على أطفالهن، مع تنظيم عملية التخلي عن الأطفال لكي لا تبقى عشوائية وتهدد سلامة وحياة الطفل، وتمس كرامته.
كما دعا إلى “استبعاد مؤسسات الرعاية الاجتماعية كحل دائم للرعاية البديلة لما أبانت عنه من فشل في تقديم الرعاية والحماية اللازمتين للأطفال مند سنوات”، مشيرا إلى أنه “إذا كان الإيداع داخل هذه المؤسسات يتسم بالطابع الاستعجالي، فإن مدة الإقامة يجب أن تكون محددة ولا تتعدى السنة”.
وشدد على أن الجمعية ترى “أنه لا بد من تعديل قانون الكفالة لما يعتريه من نواقص، وأن قانون الأسر المستقبلة يبقى حلا بالنسبة للأطفال في وضعية شارع أو الأطفال في تماس مع القانون”.
وذكر بأن الجمعية، في سعيها الدائم للدود عن حقوق الطفل، نظمت في فبراير الماضي بالدار البيضاء، الدورة الرابعة للملتقى الوطني لليتيم من أجل فتح نقاش حول القضايا التي تهم الأيتام والأطفال المتخلى عنهم بالمغرب من أجل الخروج بتوصيات ومقترحات ترافعية من شأنها النهوض بأوضاع هذه الفئة مما يستدعي إيجاد حلول تنخرط في صياغتها كل مكونات المجتمع.
وتابع أن الدورة الرابعة للملتقى اختير لهذه كشعار ” 2030 مغرب بدون أطفال متخلى عنهم… أي استراتيجية؟”، إذ انصب النقاش حول الحلول الممكنة والعملية للقضاء على ظاهرة التخلي عن الأطفال، والتي كانت موضوعا اشتغلت عليها الجمعية مع مختلف الفعاليات طوال سنة 2020.
وأشار إلى أن هذا الملتقى شكل فرصة أيضا لتدارس التحديات والإكراهات، والتفكير بعمق في الحلول العملية، وكذا الممارسات الجيدة للقضاء على هذه الظاهرة وفق مقاربة إنسانية واجتماعية قبل المقاربة الزجرية، حيث نوقشت قضايا النساء ضحايا العنف الجنسي والأمهات العازبات والرعاية بالمؤسسات الاجتماعية.
وحسب رئيس الجمعية فقد أجمعت المداخلات، في ختام الملتقى، على ضرورة تفعيل مقتضيات الدستور والتزامات المغرب بالمواثيق الدولية باعتبار أن الدولة عليها توفير الحماية القانونية ، والاعتبار الاجتماعي والمعنوي لكل الأطفال بكيفية متساوية، أخذا بعين الاعتبار مصلحة الطفل الفضلى.
وتوجت أشغال الملتقى، حسب رئيس الجمعية، بالتأكيد على ضرورة وضع آليتين اثنتين للوصول إلى مغرب بدون أطفال متخلى عنهم، تتمثلان في تعزيز شروط الوقاية واعتماد آلية للحماية الاجتماعية عبر التحسيس والتوعية في مجال التربية على الصحة الإنجابية والجنسية ووضع برامج وأنشطة مدرسية وجامعية هادفة مع إشراك وسائل الإعلام، والعمل على تطوير أداء مؤسسات الرعاية الاجتماعية .
يشار إلى أن الجمعية المغربية لليتيم التي تم إنشاؤها سنة 2017 من قبل عدد من الشباب، معظمهم من الأيتام، تروم مساعدة الأيتام والأطفال المتخلى عنهم.