رسالة الملك إلى المشاركين في المناظرة الوطنية حول السياسة العقارية

وجه الملك محمد السادس، رسالة إلى المشاركين في المناظرة الوطنية حول موضوع “السياسة العقارية للدولة ودورها في التنمية الاقتصادية والاجتماعية”، التي افتتحت أعمالها، اليوم الثلاثاء، في الرباط، بحضور رئيس الحكومة، عبد الإله بنكيران، ووزير الداخلية محمد حصاد ووزير الإسكان وعدد من الوزراء وممثلي الهيئات المنتخبة وبعض أمناء الأحزاب، ومسؤولي قطاع العقار والقضاء وممثلي المجتمع المدني وضيوف أجانب، ووسائل إعلام وطنية ودولية.

وتمنى الملك أن تشكل هذه المناظرة فرصة سانحة للفاعلين في هذا المجال، للقيام بتشخيص جماعي لواقع هذا القطاع الحيوي، والوقوف على أبرز الإكراهات التي تعيق قيامه بوظائفه، واقتراح التوجهات الكبرى لسياسة عقارية وطنية متكاملة وناجعة.
ودعا الملك في رسالته، التي تلاها مستشاره الفقيه عبد اللطيف منوني، إلى استلهام فضائل الحوار والتفكير الجماعي، واعتماد المقاربة التشاركية لمعالجة كل القضايا الكبرى للأمة.

وأكد الملك أن العقار يعتبر عامل إنتاج استراتيجي، ورافعة أساسية للتنمية المستدامة بمختلف أبعادها، موضحا أن العقار هو الوعاء الرئيسي لتحفيز الاستثمار المنتج، المدر للدخل والموفر لفرص الشغل، ولانطلاق المشاريع الاستثمارية في مختلف المجالات الصناعية والفلاحية والسياحية والخدماتية وغيرها.

وأضاف الملك أن العقار محركا ضروريا للاقتصاد الوطني، لأنه يوفر الأرضية الأساسية لإقامة مختلف البنيات التحتية، والتجهيزات العمومية. كما تنبني عليه سياسة الدولة في مجال التعمير والتخطيط العمراني، وهو الآلية الأساسية لضمان حق المواطنين في السكن.

وقال الملك إنه “بالنظر للطابع الأفقي لقطاع العقار، فإن الإكراهات والرهانات التي تواجهه تعد أمرا مشتركا بين مختلف الفاعلين والمهتمين به. لذا، فإن معالجتها تقتضي اعتماد منظور شامل، يستحضر كافة الأبعاد القانونية والمؤسساتية والتنظيمية والإجرائية، ويراعي خصوصيات هذا القطاع، وطبيعة بنيته المركبة والمتشابكة، الناتجة عن تداخل مجموعة من العوامل التاريخية والاجتماعية والاقتصادية.

وأوضح الملك أن الجانب التشريعي يشكل أحد أهم التحديات، التي يتعين رفعها لتأهيل قطاع العقار، بالنظر لتنوع أنظمته، وغياب أو تجاوز النصوص القانونية المنظمة له، إضافة إلى تعدد الفاعلين المؤسساتيين المشرفين على تدبيره.

ودعا الملك كل المسؤولين إلى الانكباب على مراجعة وتحديث الترسانة القانونية المؤطرة للعقار، بشقيه العمومي والخاص، بما يضمن حماية الرصيد العقاري وتثمينه، والرفع من فعالية تنظيمه، وتبسيط مساطر تدبيره، لتمكينه من القيام بدوره في تعزيز الدينامية الاقتصادية والاجتماعية لبلادنا.

وكشف الملك أنه يتعين العمل على مضاعفة الجهود، من أجل الرفع من وتيرة التحفيظ العقاري، في أفق تعميمه على كافة التراب الوطني. كما ينبغي استثمار التكنولوجيا الرقمية، التي يشهدها عالم اليوم، في مجال ضبط البنية العقارية، وتأمين استقرارها وتداولها.

ودعا الملك في رسالته إلى مواصلة العمل على الرفع من مستوى التكوين الأساسي والمستمر للموارد البشرية المشرفة على تدبير قطاع العقار، ولاسيما عبر دعم التخصص في هذا المجال، والانفتاح على المستجدات التي يعرفها على المستويين الوطني والدولي.

وفي نفس السياق، دعا الملك كل المسؤولين إلى الانكباب على إصلاح نظام الأراضي الجماعية، “التي نثمن فتح حوار وطني بشأنها، واستثمار وترصيد نتائج هذا الحوار ومخرجاته الأساسية، لتأهيل أراضي الجماعات السلالية، لتساهم بنصيبها في النهوض بالتنمية، وجعلها آلية لإدماج ذوي الحقوق في هذه الدينامية الوطنية، وذلك في إطار مبادئ الحق والإنصاف والعدالة الاجتماعية، بعيدا عن كل الاعتبارات المتجاوزة.
كما دعا إلى تضافر الجهود من أجل إنجاح عملية تمليك الأراضي الجماعية الواقعة داخل دوائر الري لفائدة ذوي الحقوق، مع مجانية هذا التمليك.

وطالب الملك في رسالته كافة الجهات الحكومية المعنية للعمل على تسريع وتيرة تصفية الوضعية القانونية للأراضي الجماعية، بهدف توفير مناخ ملائم لدمج أمثل لهذه الأراضي في مسلسل التنمية الاقتصادية والاجتماعية للبلاد.

وأوضح الملك أنه “إذا كان للعقار الدور الأساسي في مجال التعمير والتخطيط العمراني، فإن وثائق التعمير وآليات التخطيط العمراني، ينبغي أن تستهدف خدمة المواطنين. وهو ما يتطلب العمل على التهيئة الجيدة للفضاء العمراني، والحد من التفاوتات المجالية، وتكريس العدالة الاجتماعية، بدل أن تكون هذه الوثائق وسيلة للمضاربة، التي تتنافى مع مصالح المواطنين”.

وألح الملك في رسالته على ضرورة إرساء آليات عملية وإجرائية، لضبط السوق العقارية، قصد تفادي المضاربة وانعكاساتها على الأثمان، وكذا إيجاد حلول مبتكرة لتمويل العقار الموجه للسكن، واعتماد الشفافية في مساطر تعبئته، وذلك بهدف تسهيل ولوج المواطنين لسكن لائق وكريم.

وحث الملك الحكومة على مواصلة إصلاح الأنظمة العقارية المرتبطة بالاستثمار الفلاحي، بما يجعل من العقار دعامة أساسية لتطوير الفلاحة، ورافعة للتنمية القروية، التي تحظى بالأولوية ضمن اهتمامات الدولة.

وقال الملك إن الرفع من فعالية ونجاعة السياسة العقارية للدولة، يقتضي اعتماد استراتيجية وطنية شمولية وواضحة المعالم، وتنزيلها في شكل مخططات عمل، تتضمن كافة الجوانب المتعلقة ببلورة وتنفيذ هذه السياسة، مع ما يرتبط بذلك من تدابير تشريعية وتنظيمية وإجرائية وغيرها، في تكامل بين الدولة والجماعات الترابية، باعتبارها فاعلا أساسيا في التنمية المجالية.

وأكد الملك أن له اليقين في أن الأفكار والمقترحات التي ستنبثق عن أشغال المناظرة من شأنها أن تسهم في وضع خارطة الطريق لبلورة وتنفيذ سياسة عقارية وطنية متكاملة كفيلة بتجاوز الاكراهات المتعلقة بهذا القطاع والإستجابة للمتطلبات المتزايدة، للتنمية الاقتصادية والاجتماعية للبلاد، بما يساهم في تحقيق تطلعات الملك لترسيخ دعائم مجتمع متوازن ومتضامن على الصعيدين الإجتماعي والمجالي.

Total
0
Shares
أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

المنشورات ذات الصلة