انكبت نخبة من الباحثين والمتخصصين، خلال ندوتين عبر الإنترنت نظمهما مركز السياسات من أجل الجنوب الجديد، حول تدارس تداعيات (كوفيد-19) على الطاقة والاقتصاد والجغرافيا السياسية والعلاقات الدولية.
وتندرج الندوتان في إطار تقديم النسخة السابعة من التقرير السنوي “التيارات الأطلسية”، وهو منشور لمركز السياسات من أجل الجنوب الجديد تحت عنوان “أزمة كوفيد -19 من منظور جنوب المحيط الأطلسي”.
وعرضت الندوة الإلكترونية، المنعقدة يوم 8 أبريل 2021، والتي تولت تسييرها مينا باليامون، وهي باحثة بارزة بمركز السياسات من أجل الجنوب الجديد، أبرز النقاط المتناولة ضمن الفصلين المخصصين لتدارس تأثيرات جائحة “كوفيد-19” على قطاعي الطاقة والاقتصاد، وذلك من منظور أطلسي.
وفي المداخلة الأولى، تطرق فهد التركي، نائب رئيس الأبحاث في مركز الملك عبد الله للدراسات والبحوث البترولية (KAPSARC)، إلى تداعيات “كوفيد-19” على سوق الطاقة، حيث قدم لمحة عن انعكاسات الجائحة على النشاط الاقتصادي وأثرها على الطلب على الطاقة، موضحا – في هذا الصدد – أن تباطؤ النشاط الاقتصادي قد أدى إلى انخفاض الطلب على الطاقة، وذلك تحديدا في قطاعي الصناعة والنقل.
وكشف التركي عن وجود خطأ في تقدير أثر جائحة (كوفيد-19) أدى إلى تراكم كبير على مستوى التخزين، مشيرا إلى أن أسعار النفط، على سبيل المثال، كادت أن تنهار، لكن المنتجين تحلوا بالمرونة وتمكنوا من تحقيق الاستقرار في السوق ومن تدبير مخزونات هائلة.
ومن زاوية أخرى، ركزت رئيسة الجمعية الأورو-متوسطية لخبراء الاقتصاد والأستاذة في كلية إدارة الأعمال بجامعة “سيتي” في لندن، ريم عيادي، على ارتفاع الديون السيادية لدى الدول ذات الدخل المتوسط والمنخفض وعلى المجهودات الحالية التي يبذلها المجتمع الدولي من أجل الاستجابة بصورة جماعية للجائحة.
علاوة على ذلك، أشارت السيدة عيادي إلى أن صندوق النقد الدولي قد نادى بإصلاح استعجالي لهيكل الديون، داعيا إلى اتخاذ تدابير تسمح بتخفيف عبء الديون بشكل أكبر، وتعزيز أحكام المتعاقدين من خلال تمديد بنود التحصيل (في أنواع مختلفة من التعاملات) وتعزيز الشفافية التي ترى المتحدثة أنها مصدر قلق بالغ.
وأكدت ريم عيادي على أهمية شفافية الديون في إطار الحكامة الجيدة وكذا في تعزيز القدرة على تحمل الديون والتعافي الاقتصادي من الجائحة. واستحضرت ريم عيادي ، بالمناسبة، مشاركتها في فريق عمل مجموعة العشرين المعني بمسألة شفافية الديون بصفتها مخرجا ممكنا من أزمة الديون التي يتجه إليها العالم بخطى حثيثة.
ومن جهته، استهل السفير جيراردو تراسلوشيروس حديثه بالقول إن جائحة (كوفيد-19) قد تسببت في حالة عدم استقرار عالمي لم يكن المنتظم الدولي مستعدا لها، مؤكدا على وجوب اتخاذ إجراءات مناخية أكثر جدية للوقاية من الكوارث مستقبلا. وطرح المتحدث أولا اعتبارات عامة يمكن تلخيصها في فكرة أن التقليل من الخسائر في الأرواح وفي التكلفة الاقتصادية للجائحة هما هدفان ينبغي السعي وراءهما في آن واحد، خاصة وأن الفئات الاجتماعية الهشة قد أصبحت أكثر عرضة للمجاعة والمرض والفوضى الاجتماعية.
وفي الشق الأخير من الجلسة، أخذت مينا باليامون الكلمة لتطرح على المتحدثين عددا من الأسئلة التي صاغها المشاركون والتي تناولت إمكانية الوصول إلى اللقاحات والسباق الدبلوماسي المحموم بين الولايات المتحدة والدول الأوروبية وروسيا والصين لكسب النفوذ في العالم النامي، والحاجة الملحة للتعاون بين الأمم من أجل التخلص من الجائحة، والنتائج المحتملة للتدابير المستقبلية الرامية للتصدي للموجة الرابعة من الجائحة والتي يمكن أن تكون لها عواقب وخيمة على سوق الطاقة، والاستراتيجيات الدولية الهادفة إلى التصدي للتغير المناخي، ومسألة الإقراض العام والخاص.
أما الندوة الافتراضية الثانية، المنظمة في 15 أبريل، وأشرف على تسييرها محمد لوليشكي، باحث بارز في مركز السياسات من أجل الجنوب الجديد، فقد استعرضت الآراء الرئيسية من الفصول المتعلقة بتأثير جائحة كوفيد-19 على الأوضاع الجيوسياسية والعلاقات الدولية، من منظور أطلسي.
وفي هذا الصدد ، عرض السيد إدواردو أ. حداد، باحث بارز لدى مركز السياسات من أجل الجنوب الجديد، فصله حول أزمة كوفيد-19 وجغرافيا الاستياء في الجنوب العالمي. وتلخص المعنى من وراء هذا المفهوم في أن الظروف التي يعيش أو يعمل فيها الأفراد تشكل بشكل كبير وجهات نظرهم عن العالم والتحديات التي تواجههم.
وأكد حداد أن المجتمعات غير المتجانسة تثير تصورات عامة متنوعة عن العالم، وعن أزمة فيروس كورونا. لذلك، اعتبر المتحدث أن ميول الجنوب العالمي إلى تسجيل معدلات أعلى من عدم المساواة بين مجتمعاته ينطوي على إمكانية أكبر لمزيد من الاستياء.
ومن جانبه، تطرق المصطفى الرزرازي، وهو أيضا باحث بارز لدى مركز السياسات من أجل الجنوب الجديد، إلى آثار جائحة كوفيد-19 على المجتمع من منظور الصحة العقلية وتغيير السلوك. وفي الواقع، ركز الدكتور الرزرازي على بحثه حول القلق والتنافر الإدراكي/المعرفي الذي ينشأ بين الأفراد خلال هذه الأوقات الصعبة.
وفسر بإيجاز منهجيته التي تتألف من أربعة مؤشرات: يتعلق المؤشر الأول بالمراحل المختلفة لتأثير كوفيد-19 والمتمثلة في عدم اليقين والخوف خلال الأشهر الثلاثة الأولى، والتدفق الكثيف للمعلومات، والحجر الصحي، والتعافي، وعدم اليقين بشأن اللقاح.
من جهتها، ركزت مداخلة الباحثة المساعدة في العلاقات الدولية لدى مركز السياسات من أجل الجنوب الجديد، سلمى الداودي، على توضيح مسألة القدرات الصحية كأداة جديدة للسلطة في المجال الدولي.
وعرضت الباحثة النتيجة العامة للفصل الذي يوضح كيف يمكن أن تكون القدرات الصحية مصدر ا للسلطة وتعبير ا عنها في آن واحد، بمعنى أنها لا تكفي لضمان السلطة، لكنها تظل ضرورية لحماية المصالح الوطنية.
كما تحدثت الداودي عن الأهمية المتزايدة للقضايا العالمية المرتبطة بالصحة وظهورها كتهديدات أمنية معولمة حيث تصاحبها ضغوطات شديدة على الأنظمة الصحية وتقوض الاستقرار الوطني وتقلل الإنتاجية بشكل كبير.
وطرح السفير لوليشكي على الدكتور الرزرازي سؤالا عن التعليم، وتحديدا في ما يتعلق بتأثير الوباء على تلاميذ المدارس الابتدائية باعتبارهم الفئة الأكثر هشاشة من بين الشباب، وكذلك عن مساهمة الآباء وأولياء الأمور في التعامل مع الأزمة.
وفي هذا الإطار، قال المصطفى الرزرازي إن تمثيل وسائل الإعلام للفيروس والتدفق الهائل للمعلومات أدى إلى فهم خاطئ للجائحة وإلى تشويش إدراك الأطفال لها بشكل صحيح كتهديد.
وتناولت جلسة النقاش في نهاية الندوة ثلاثة أسئلة: أولها حول ضرورة قيام الحكومات بإعطاء الأولوية لقطاع الصحة، والثاني حول مستويات القدرة على الصمود في المناطق القروية مقارنة بكبريات المدن؛ بينما تطرق السؤال الثالث والأخير للدعوة إلى إجراء إصلاحات هيكلية لمنظمة الصحة العالمية بعد تجربة كوفيد-19 والانتقادات المعبر عنها خاصة فيما يتعلق بإدارتها ومهمتها.
ويقدم تقرير “التيارات الأطلسية”، وهو منشور محوري لمركز السياسات من أجل الجنوب الجديد، منظورا أصليا للرهانات العالمية والأطلسية كل عام. وتطرقت الطبعة السابعة من هذه الوثيقة المرجعية المكونة من 300 صفحة تقريبا، والموقع من 22 كاتبا من جنوب المحيط الأطلسي، إلى “أزمة كوفيد من منظور جنوب المحيط الأطلسي”، والتي تتماشى مع مؤتمر الحوارات الأطلسية، الذي عقد في نوفمبر 2020 في شكل ندوات عبر الإنترنت بسبب الوباء.