حي اسمه “مولمبيك” أو كيف تحول إلى قنبلة موقوتة؟

في بداية التسعينيات ساقتني الأقدار إلى بلجيكا قادما من سويسرا، بعد أن شددت الرحال إلى عاصمة أوربا آملا أن أحقق أحلامي ككل أولئك الذين

هاجروا خارج المغرب من مختلف الأجيال، كان في انتظاري هناك صديق طفولتي، وكان قد بعث إلي بعنوانه،  زنقة بيرس مقاطعة مولامبيك.

بالنسبة لمغربي فتح عينيه في القارة العجوز على سويسرا كانت الصدمة قوية،  إذ وجدت نفسي وكأني عدت إلى المغرب، وكان شيئا لم يتغير، وجدتني محاطا بكل مظاهر المغربة التي تركتها خلفي، أحياء بكاملها ليس فيها إلا مغاربة وفي وسط عاصمة أوربا،  باعة متجولون، المارة بلباس تقليدي مغربي، مقاهي وكأنك في أحد الأحياء الشعبية بمدينة الدارالبيضاء، مع غياب شبه تام للعنصر البلجيكي الأصلي، لم أفهم لم ولا كيف تم هذا التجمهر أو التكدس الغريب.

ومع مرور السنين بدأت تتضح أمامي الرؤية، أدركت حينها أن مولامبيك ليست إلا منطقة على غرار الهارليم بالوﻻيات المتحدة الامريكية حيث يتجمع السود، أو هي على غرار ضواحي باربيس الفرنسية المحاطة بغيتوهات “أش إل إم” ، فتيقنت أنها تجمعات سكنية ناتجة عن سياسة الرجل الأبيض، الهدف منها التخلص من الأقليات الغير مرغوب فيها، عن طريق عزلها في مناطق خاصة، يتم استغلالها فقط في فترة الانتخابات، ليس لأبنائها الحق في تحقيق طموحاتهم مهما كان مستواهم التعليمي.

مع مرور الوقت أصبح المكان مرتبطا بالعقل الجماعي لتلك الأقلية وكأنها تحتمي ببعضها البعض، إلى أن بدأت تظهر في بداية الثمانينات

مشاكل متعلقة بالهوية والاندماج، وخصوصا مع شباب الجيل الثاني والثالث.أسئلة من قبيل هل أنا مهاجر؟ أم أنا ابن البلد، بما أنني ولدت فيها؟.

بالنسبة لأبناء الجيل الثاني تولدت إشكالية مزدوجة تقسم روح وعقل أبناء المهاجرين، بين النظرة إليه كـ(زماكري)  في البلاد الأم، والأجنبي في بلاد الاستقبال أو بلد المنشأ، لينتج السؤال المصيري الذي أرق الكثيرين، هل هذا موطني؟،  هذا الإحساس بعدم الانتماء ﻷي شيء، ومعه سياسة التهميش، جعلا من السهل على الجيل الثاني في الثمانينات السقوط  في ما يسمى بالجريمة المنظمة فكانت سجون بروكسيل مكتظة بسجناء من

أصول مغربية، لتهيء بعد ذلك الجيل الثالث ليكون فريسة سهلة للتطرف وخصوصا بعد انتشار المساجد العشوائية دون حسيب أو رقيب.

تبني خطاب الهوية الذي ملأ الفراغ الانتمائي لهؤلاء الشباب، حيث ولأول مرة وجدوا لهم عنوانا تعريفيا حيث أصبحوا أخوة في البطالة والفقر والإحساس بالتفرقة والعنصرية والجهل بأصول الدين الإسلامي، كلها عوامل كانت كفيلة بأن تجعل من هؤلاء الشباب مرشحين مستقبليين للتطرف الديني، وتحول حي مولمبيك إلى قنبلة موقوتة قابلة للانفجار في أي لحظة.

Total
0
Shares
أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

المنشورات ذات الصلة