قال الخبير في الجيو-ستراتيجية والأمن، الشرقاوي الروداني، إن الأزمة بين روسيا وأوكرانيا بصدد ابراز “إعادة تشكيل النظام العالمي”، مؤكدا أن هذا التصعيد الكبير في الأعمال العدائية يخفي وراءه إعادة تنظيم أدوار العقائد العسكرية.
وأوضح الروداني، في عمود بعنوان “أوكرانيا والبيئة الإستراتيجية لأوروبا: الرهانات والتحديات” نشرته أسبوعية (لافي إيكو)، أن تدهور الوضع الأمني بين أوكرانيا وروسيا يتسارع شيئا فشيئا وأن التصريحات بين أطراف النزاع لم تعد تقتصر على ممارسة الضغط.
وهكذا، يضيف الأكاديمي، فإن التعزيزات العسكرية الهائلة غير المسبوقة لحلف شمال الأطلسي من جهة، وموسكو من جهة أخرى تشير إلى نهاية الوضع بين الطرفين وتنذر بالتصعيد.
وأشار، في هذا السياق، إلى أنه يمكن اعتبار هذا التنافس بمثابة مواجهة من أجل التعاقب على الهيمنة، غير أنه يخفي أيضا مواجهة بين عدة نماذج من القوات المسلحة التي يظل رهانها الأساس هو التكيف مع الظروف الجديدة للحرب المستقبلية.
وتابع أنه إذا كان يتعين دراسة تحديات هذه الحرب من خلال منظور جيوسياسي إقليمي وعالمي، مع التأكيد على الآثار الأمنية العابرة للحدود، وكذا انعدام اليقين الاستراتيجي الناجم عن التوتر، فإن تحول مركز ثقل أوروبا من شمال ووسط القارة إلى شرقها، وإلى منطقة جنوب القوقاز ومنطقة آسيا الوسطى، خلق علاقات قوة جديدة سترسم علاقة ثلاثية الأركان.
وعلاقة بروسيا، يرى الروداني أنه من الضروري التمييز بين مفهومين مرجعيين لإعادة التوازن من خلال استراتيجيات الشراكة التي ستحدد عقيدتها العسكرية، مردفا أنه من خلال إعادة تحديث هذه العقيدة في 2021، من الواضح أن الكريملين يسعى إلى إقامة علاقة قوية مع الصين والهند في منطقة المحيطين الهندي والهادئ والقوقاز وكذلك في القارة الإفريقية.
أما بالنسبة لأوكرانيا، فاعتبر أن التصور الروسي هو سياسي – استراتيجي للقضاء على طموحات الناتو، وأن موسكو “ترى الانتشار العسكري للناتو في هذه المنطقة يعد نهجا قسريا ومحاولة لتطويقها”.
وأكد أنه على مستوى الدول الغربية، وجد حلف شمال الأطلسي نفسه – في ظل حتمية أولويات الدول الأعضاء – عند مفترق طرق عدة يختبر قوته ومرونته على المستويات السياسية – الاستراتيجية والعملياتية والتكتيكية.
ومضى قائلا إن ” النظام العالمي يرتكز، أساسا، على معادلتين هامتين للغاية، لا تشكل أوكرانيا سوى عنصر ثانوي داخلهما”، مضيفا أن حل هذه النظمة سيعتمد على القدرة/ والقوة الإجمالية التي يعبئها الفاعلون الرئيسيون في حرب هجينة.
كما نوه إلى أن الملف الأوكراني كشف مجددا عن “عدم القدرة على التوقع وفرض ثلاثة تحديات كبرى لاستقرار البيئة الإستراتيجية الأوروبية”.
وبعد أن شدد على أن العقيدة العسكرية والأمنية للكرملين قد بنيت على منطق مواجهة محتملة مع التحالف عبر الأطلسي، أشار الخبير الجيواستراتيجي إلى أن هذه الاستراتيجية صممت بالموازاة مع السرعة التي يجري بها توسيع حلف الناتو منذ سنة 1999.
وفي تطرقه لمحددات السياسة الخارجية الروسية الحالية، لاحظ المتحدث ذاته أن التوتر الشديد بين أوكرانيا وروسيا تعبير عن التنافس بين الناتو وموسكو.
ويرى الخبير أنه في عالم في طور إعادة التشكل، فإن معنى وجوهر هذه الحرب يسائل الأمن والاستقرار بالبحر الأبيض المتوسط والهند والمحيط الهندي-الهادي وافريقيا والشرق الأوسط، مسجلا أن هذا الصراع في أوكرانيا لا يمكن إلا أن يكون معركة في حرب لن تتجنبها لا جورجيا ولا دول البلطيق.
وفي معرض تساءله عن مخرج هذه الأزمة، اعتبر الأكاديمي أن هناك دائما حلول لأي وضعية صراع شريطة توفر النوايا الحسنة لتقليص هوة الخلافات ومتطلبات كل طرف.
وخلص إلى أن التوصل إلى اتفاق أمني بين الناتو وروسيا يظل ضروريا، كما أن إعادة إطلاق اتفاقيات مينسك على أسس جيدة يعد سبيلا لإعادة بناء نظام السلام العالمي.