بين عشية وضحاها، تعرضت منازل للطمر، واختفت الشوارع من الخريطة، وتناثر أثاث البيوت على الأرض الموحلة، في وقت يواصل المئات من عمال الإنقاذ، منذ ستة أيام، جهودهم لإنقاذ الأرواح وإعادة الحياة إلى طبيعتها في مدينة بتروبوليس الجبلية، الواقعة في ولاية ريو دي جانيرو (جنوب شرق البلاد)، التي ضربتها أمطار مدمرة خلفت ما لا يقل عن 176 قتيلا و117 مفقودا.
وقد حولت السلطات المدارس والكنائس إلى ملاجئ لتلقي المساعدات الموجهة إلى نحو ألف نازح، فيما تم تعليق عملية التلقيح ضد كوفيد-19. ففي ظرف ثلاث ساعات فقط تهاطلت 260 ملمترا من الأمطار، أي ما يعادل المقاييس التي كانت متوقعة خلال شهر فبراير بأكمله، والتي كانت كافية لتدمير مناطق بالكامل بهذه المدينة ذات المؤهلات الطبيعية الخلابة، التي تشتهر بها كوجهة سياحية.
وبثت القنوات التلفزيونية صورا للمدينة قبل وبعد الفيضانات لتوضيح حجم الدمار: اجتاحت الانهيارات الأرضية مواقع سياحية ومناطق سكنية ومؤسسات تعليمية. ووصفت السلطات المحلية العاصفة بأنها الأسوأ في تاريخ هذه المدينة الصغيرة.
وبعد تأكيد وفاة 176 شخصا في بتروبوليس، تجاوز عدد الوفيات ذلك المسجل في عام 1988، عندما توفي 134 شخصا إثر عاصفة قوية تسببت في انهيارات أرضية وفيضانات.
وقد أثارت صور المأساة على وسائل التواصل الاجتماعي صدمة كبيرة في البرازيل وخارجها، برزت معها موجة من التضامن من المواطنين والشركات المحلية ودول أخرى.
وأعرب البابا فرنسيس عن تعازيه وتضامنه مع المتضررين، معبرا عن تعاطفه مع جميع الأشخاص المكلومين. أما مصلحة الجنائز، فلم تعد قادرة على تقديم خدماتها، خاصة بسبب الانقطاع الذي تشهده العديد من الطرق. فقد أعلن مجلس المدينة أنه قام بانتشال أزيد من 140 عربة من الأنهار ومن شوارع بتروبوليس.
ولا تزال صافرات الإنذار تدوي بين الفينة والأخرى في منطقة مورو دو لا أفيشينا، أحد أكثر الأماكن تضررا من العاصفة المدمرة. وفي جزء من هذه المنطقة المأهولة، تشكل جبل ضخم من الوحل.
وفي الأيام الأخيرة، تم توقيف البحث عدة مرات بسبب تهاطل الأمطار، ولم يتجاوز عدد الأشخاص الذين تم انتشالهم وهم على قيد الحياة 24 شخصا منذ الأربعاء، بينما تم نقل ما لا يقل عن 166 شخصا إلى مستشفيات المنطقة. كما أدى الضباب الكثيف الذي ساد المنطقة خلال عطلة نهاية الأسبوع إلى إعاقة جهود الإنقاذ، التي يدعمها عمال إنقاذ من ولايات أخرى. وعلى مدار الأسبوع، تسببت الأمطار الغزيرة في حدوث فيضانات جديدة، مما أجبر السلطات على إخلاء بعض الأحياء المهددة بوقوع انهيارات أرضية على وجه السرعة.
ومباشرة بعد عودته من زيارة لروسيا والمجر، وصف الرئيس البرازيلي جايير بولسونارو، الذي حلق بمروحية فوق المنطقة، الوضع بأنه أشبه بصور حرب، قائلا إن الدمار هائل.
وأضاف بولسونارو أنه “في كثير من الأحيان، لا توجد وسيلة لمنع كل ما يحدث في الـ8,5 مليون كيلومتر مربع (المساحة الإجمالية للبرازيل)”. ووفقا للدفاع المدني، فقد تم تسجيل 546 انهيارا أرضيا، ومن المحتمل حدوث المزيد منها بسبب الأمطار الغزيرة المرتقبة في الأيام المقبلة. ومن جهتهم، صرح عمال الإنقاذ لوسائل إعلام محلية، بأن الأرض غير مستقرة ومن الصعب في ظل هذه الظروف العثور على ناجين.
وقال حاكم ريو، كلاوديو كاسترو، ردا على الانتقادات بشأن العدد المحدود من رجال الإنقاذ، إن هشاشة الأرض تمنع نشر عدد أكبر من العمال.
أما عمدة بتروبوليس، روبنز بومتمبو، فأكد أن السلطات تعمل على استعادة الخدمات الأساسية، مثل الكهرباء والنقل وجمع النفايات. ومن جهته، أكد وزير الدفاع، الجنرال والتر براغا نيتو، أن حوالي 820 عنصرا من القوات المسلحة قد توجهوا إلى بتروبوليس.
كما يقوم “مهندسون تقنيون” بعمليات تحليل للتربة، بالنظر إلى عدم الاستقرار الجيولوجي الكبير للمدينة، التي تحيط بها منحدرات شديدة الانحدار، ويبلغ عدد سكانها حوالي 300 ألف نسمة.
وتجدر الإشارة إلى أنه ما بين نهاية عام 2021 وبداية هذا العام، شهدت ثلاث ولايات برازيلية أخرى (باهيا بالشمال الشرقي) وساو باولو وميناس جيرايس (الجنوب الشرقي) عواصف قوية خلفت ما يقرب من 100 قتيل ونحو 150 ألف نازح. كما شهد عام 2011 كارثة مماثلة في ريو، خلفت وقتها 900 قتيل ومائة مفقود.
وخلف هذه الزيادة في التساقطات المطرية في البرازيل ظواهر طبيعية، مثل النينيا، لكن خبراء الطقس يعزون ذلك لتغير المناخ. كما أن هذه الأنواع من الكوارث تتفاقم أيضا بسبب إشكالية التخطيط الحضري والوقاية. فقد أشار المخطط المحلي للحد من المخاطر، الذي تم إعداده ونشره في عام 2017، إلى أن أكثر من 15 ألف منزل في المقاطعة الأولى في بيتروبوليس تتواجد في مناطق مهددة بشكل كبير بحدوث انهيارات أرضية. وهي بالضبط المنطقة الأكثر تضررا من التساقطات المطرية الأخيرة. وإجمالا، يقع 27 ألف و704 منازل في مناطق خطرة وعالية الخطورة.