تراجع في عدد الإعلانات وانخفاض في العائدات، مشاكل أمن سيبراني، وتزايد في عدد التعاليق العنصرية… اللائحة تطول، وتظهر الصعوبات التي يواجهها الملياردير إيلون ماسك، منذ اقتنائه لمنصة “تويتر” في صفقة قيمتها 44 مليار دولار.
“تويتر” التي تصنف شبكة مؤثرة، تعد منصة يشارك فيها المشاهير والسياسيون وقادة العالم وجهات نظرهم، وحيث يمكن للأشخاص العاديين التعبير عن أنفسهم بشكل مباشر.
بيد أن الشركة تكابد من أجل تحقيق أرباح ضخمة، في وقت ظلت فيه قاعدة مستخدميها الرئيسيين، حوالي 300 مليون شهريا، مستقرة إلى حد ما. فضلا عن ذلك، تواجه الشبكة العديد من المشاكل المرتبطة على الخصوص بقواعد الأمن السيبراني والاعتدال.
كما أن استحواذ الرجل الأغنى في العالم، إيلون ماسك، على الشبكة الاجتماعية، أثار العديد من التساؤلات ذات الطبيعة الأمنية.
فحسب مقالات إعلامية، يعتزم مسؤولون أمريكيون فتح تحقيق بشأن اقتناء رئيس شركة “تيسلا” لشبكة “تويتر”، وما إذا كان المستثمرون الأجانب سيلجون إلى بيانات المستخدمين.
كما تحرى مكتب التحقيقات الفدرالي، وفق المصادر ذاتها، بشأن المخاطر المحتملة التي يطرحا الاتفاق، وذلك بشأن التجسس المضاد.
من جانب الإدارة الجديدة، التي قامت بتسريح القادة الرئيسيين للشركة في اليوم التالي للاستحواذ على المنصة، تمثلت أولى الإجراءات المتخذة في تطبيق عملية واسعة النطاق لإلغاء وظائف.
في محاولته للدفاع عن قراره بإنهاء آلاف الوظائف، قال ماسك إن الشركة شهدت انخفاضا “هائلا” في الإيرادات بسبب انسحاب بعض المعلنين.
ويرتقب أن يؤثر تقليص عدد المستخدمين على 3700 وظيفة عبر العالم، أي نصف عدد مستخدمي الشركة.
بعض هؤلاء الموظفين المغادرين صرحوا أنهم سيحصلون على تعويض يعادل شهرين على الأقل، كمكافأة نهاية الخدمة.
وقبل أن تشرع “تويتر” في عمليات التسريح الجماعي، تقدم بعض المستخدمين، الخميس، بشكاوى جماعية بشكل استباقي، معتبرين أن الشركة بدأت في تسريح المستخدمين دون إشعار مسبق، في انتهاك للقوانين الفدرالية وقوانين ولاية كاليفورنيا.
وعندما تم الكشف عن تفاصيل تسريح المستخديمن يوم الجمعة، قالت محامية الدعوى الجماعية، المحامية البارزة شانون ليس-ريوردان، إنها مسرورة لأن ماسك “بذل جهدا للامتثال لقانون إخطار تعديل وإعادة تدريب العمال “WARN”، من خلال دفع تعويضات إنهاء الخدمة.
ويعتبر ماسك، الذي يسعى لتصحيح خلل يتمثل في يد عاملة “مدللة”. كما أقدم على إلغاء سياسة “أيام الإجازة” الخاصة بالشركة، والتي تم اعتمادها كإجراء يهدف لتعزيز الصحة العقلية خلال جائحة كوفيد-19.
في المملكة المتحدة، انضم العديد من مستخدمي الشركة إلى النقابات لحماية حقوقهم بشكل أفضل، وذلك قبل الإلغاء الجماعي للوظائف، وفق ما صرح به مايك كلانسي، الأمين العام لنقابة “بروسبكت” المهنية. وقال ” تويتر يعامل مستخدميه بشكل مريع”.
وفضلا عن المشاكل التي يمكن أن تثيرها، من الناحية القانونية، هذه الموجة من عمليات التسريح الجماعي للعمال، يواجه ماسك تحديات خطيرة تخص الأمن السيبراني.
ولا يبدو أن تقليص عدد الموظفين يساعد على تحسن الأمور، بل قد يؤدي إلى تفاقم هذه المشاكل، وذلك وفقا للعديد من خبراء الإنترنت.
فقد ورث ماسك سلسلة من مشاكل الأمن السيبراني يواجهها عملاق وسائل التواصل الاجتماعي.
وحسب بيتر زاتكو، المسؤول الأمني السابق في “تويتر”، فإن الشبكة الاجتماعية أخفت ثغرات أمنية “خطيرة وصادمة”، ما أدى إلى تضليل المستخدمين وهيئات تقنين الأنترنت على حد سواء.
زاتكو، الذي تم طرده من “تويتر” في وقت سابق من هذه السنة، كشف عن ثغرات خطيرة في معالجة الشركة للبيانات الشخصية للمستخدمين، بما في ذلك تشغيل برمجيات منتهية الصلاحية.
هذا الخبير البارز في مجال الأمن السيبراني، الذي أدلى بشهادته أمام الكونغرس، أكد أن تويتر لم يحم بيانات المستخدمين، وقلل من أهمية رسائل البريد الإلكتروني غير المرغوب فيها، ووظف وكلاء أجانب، كما قام بتضليل لجنة التجارة الفدرالية.
وفضلا عن ذلك، فإن “تويتر” يواجه تحديات مالية جمة.
فالشركة التي لطالما عانت، مقارنة بكبرى شركات التواصل الاجتماعي، فيسبوك وغوغل، بالكاد حققت أرباحا منذ عام 2019.
ومن خلال تمويل عملية الاستحواذ بقيمة 44 مليار دولار، كان ماسك سيحمل تويتر 13 مليار دولار إضافية من الديون، علما أن الشركة تكبدت، في عام 2021، خسائر تشغيلية – قبل خصم الفوائد والضرائب والتسديد- بلغت 221.4 مليون دولار.
خلال الأشهر الستة الأولى من هذه السنة، كانت الأرباح التشغيلية ل”تويتر” إيجابية، بواقع 243.3 مليون دولار.
غير أن هذا الرقم بعيد عن المليار دولار، كما أن الشركة أضحت تواجه، وعلى غرار منافسيها، تراجعا متسارعا في الإعلانات على وسائل التواصل الاجتماعي.
في محيط اقتصادي غير ملائم، أقر ماسك مؤخرا بأنه دفع، بطبيعة الحال الكثير مقابل الاستحواذ على “تويتر”.
يتعين على الملياردير، كذلك، مراعاة مصالح المستثمرين الخارجيين الذين ساعدوا في دفع تكاليف الاستحواذ، بما في ذلك شركتان رئيسيتان للرأسمال الاستثماري في وادي السيليكون، ولاري إليسون، المؤسس المشارك لشركة “أوراكل”. بنوك كبرى أمنت أيضا، 13 مليار دولار لتمويل الديون.
وحتى وإن لم يكن ماسك حريصا على استرداد أمواله، فإن هؤلاء المساهمين الآخرين في صفقة الاستحواذ على “تويتر” لن يشاطروه الرأي.
ومنذ توليه المنصب الأسبوع الماضي، جمع ماسك فريقا انتقاليا من المقربين الذين يثق فيهم لدراسة تخفيضات التكلفة وسبل إنعاش الإيرادات.
في الوقت ذاته، يعمل الموظفون المتبقون بلا كلل لتطوير أدوات جديدة يمكن بيعها للمستخدمين، مما أدى إلى إقرار اشتراك بقيمة 8 دولارات على أساس شهري للمستخدمين الذين يرغبون في الحصول على حسابات معتمدة على أنها أصلية.
ومع ذلك، فإن هذا الاشتراك بعيد كل البعد عن الإجماع بين المستخدمين، كما هو الحال مع الكاتب ستيفن كينغ. فقد أعرب “ملك الرعب” بشكل صريح عن عدم رغبته في الدفع مقابل الاحتفاظ بامتياز تافه.
وغرد ماسك، في هذا السياق، قائلا: “علينا دفع الفواتير بطريقة أو بأخرى”.
علاوة على ذلك، فإن هذا الاشتراك يهدد بالتسبب في عدد من الثغرات الأمنية المحتملة، وفقا للخبراء.
كما قد يسمح لذوي النيات السيئة بالدفع مقابل التحقق واستخدام حساباتهم في عمليات الاحتيال والخداع.
من جهة أخرى، تواجه منصة تويتر معضلات ملحة بالإضافة إلى خفض التكلفة. إذ إنه في ظل انتخابات التجديد النصفي الأمريكية المقررة اليوم الثلاثاء، أكد موظفو تويتر أنهم يفتقرون إلى الوصول إلى الأدوات الأساسية لرصد المعلومات السياسية المضللة والعمل على إزالتها.
ومنذ استحواذ ماسك على المنصة في 28 أكتوبر المنصرم، وصلت التغريدات العنصرية وغيرها من التعليقات البغيضة إلى مستويات أعلى بكثير من المعتاد، وذلك وفقا لبحث أجراه معهد “نيتوورك كونتاجيان رسيرش إنستيتيوت” و”داتامينر”.
وردا على هذه النتائج، وعد ماسك نشطاء الحقوق المدنية بأنه سيعمل على إعادة أدوات تعديل المحتوى.
وأمام هذا الموقف، يتردد العديد من الفاعلين في قطاع الإعلانات في ربط علاماتهم التجارية بتويتر في هذه الأوقات المضطربة، حيث قالت شركة “أودي” و”فايزر” و”جينيرال ميلز” عن تعليق مؤقت للإعلانات على منصة تويتر حتى معرفة كيف تتطور المنصة تحت قيادة ماسك.
وأوصت مجموعة “إينتربابليك غروب” الإعلانية العملاقة عملاء وكالات “إي بي جي ميديا براندز” الخاصة بها بتعليق جميع الإعلانات المدفوعة على تويتر لمدة أسبوع على الأقل بعد أن استحوذ رئيس تيسلا على الشبكة.
وأخبرت الشركة عملائها – الذين يمكنهم اختيار متابعة الإعلان بشكل مستقل على تويتر – بانتظار توضيح بشأن خطط أمان الشبكة الاجتماعية.
وفي هذا الصدد، قالت شركة صناعة السيارات “جنرال موتورز”، يوم الجمعة، إنها علقت، بدورها، الإعلانات على الشبكة حتى إشعار آخر.
ومن الناحية الأخلاقية، فإن ماسك يساهم في التفرقة على المستوى السياسي، وذلك من خلال الترويج لأصوات اليمين الأمريكي.
فبعد أيام قليلة من إتمام عملية استحواذه على منصة التواصل الاجتماعي، أعاد تغريد مقال، لمتابعيه البالغ عددهم 112.6 مليونا، يحتوي على شائعات، لا أساس لها من الصحة، تتعلق باليمين الأمريكي حول الاعتداء على زوج رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي.
ويبدو أن تغريدة ماسك غير الحكيمة تبرر قرار شركة “جنرال موتورز” المنافسة لشركة “تسلا” بتعليق إعلاناتها على تويتر، حتى يصبح الاتجاه الجديد للمنصة أكثر وضوحا، كما أن بعض المشاهير الذين يحظون بمتابعة جيدة اضطروا للتوقف عن استخدام حساباتهم.
علاوة على ذلك، تسببت تغريدة ماسك في غضب شديد، لاسيما بعد إعلانه أنه سيعين “مجلس إدارة محتوى له وجهات نظر متنوعة على نطاق واسع” وأنه “لن يتم اتخاذ قرارات بشأن إعادة إنشاء أي حساب أو محتوى رئيسي، قبل اجتماع هذا المجلس”.
في وادي السيليكون وفي وول ستريت، أجمع النقاد والاقتصاديون على أن تويتر كانت تدار بشكل سيء في عهد الإدارة السابقة، وأن هناك فرصة لماسك لإعادة هيكلة عملياتها وزيادة عائداتها.
بيد أنه يتعين على الملياردير تصحيح الوضع بسرعة، وإعادة إرساء قواعد الاعتدال، وإقناع المعلنين بالعودة إلى المنصة، وتجنب إثارة الجدل من خلال تغريداته الاستفزازية.