قال السفير الممثل الدائم للمغرب لدى الأمم المتحدة، عمر هلال، إن تدبيرا ناجعا للتحديات المتنامية التي تواجه العالم اليوم يمر عبر تعزيز العمل متعدد الأطراف وإصلاح المؤسسات الدولية، وفي مقدمتها الأمم المتحدة.
وأكد هلال، خلال مداخلته، الخميس بجنيف، في إطار الجلسة العامة الافتتاحية لمنتدى كرانس مونتانا، أن إصلاح الأمم المتحدة، لاسيما مجلس الأمن، بما يستدمج التغيرات الدولية المتراكمة منذ منتصف القرن العشرين، أضحى ضرورة لا غنى عنها لتمكين المجموعة الدولية من مواجهة الإشكاليات المعقدة التي ترهن مستقبلها.
وأوضح أن التاريخ حافل بالدروس لفهم ما يعيشه العالم اليوم. فكل بدايات القرون كانت طافحة بالتوترات والمخاضات الصعبة التي تنتج عالما من الهشاشات والحروب، ما يسائل القدرات الفردية والجماعية على الفهم.
واستعرض الدبلوماسي المغربي لوحة قاتمة، من تفاصيلها عودة الحرب إلى قلب أوروبا، وتفاقم الوضع الأمني في منطقة الساحل، أزمات وبائية، طاقية، غذائية.. إلخ، لكنه نبه إلى أبعاد أعمق للأزمة تخص احتدام “أزمة الثقة بين الدول” وخلل الآلية متعددة الأطراف، بما يعزز التخوف تجاه مخاطر باتت كونية بطبيعتها.
وأردف بالقول في المقابل إن الوضع القائم لا يمنع من النظر أبعد نحو بدائل أفضل للراهن الدولي، وهو تفاؤل يجسده “الفاعلون الجدد الذين يتنامى نشاطهم لحسن الحظ”. يتعلق الأمر بالمجتمع المدني الذي بات يمد نشاطه ليتكفل أحيانا بقضايا تخلت عنها بعض الدول نفسها، على غرار قضايا البيئة والتنمية المستدامة، وانبثاق الشباب كقوة فاعلة في المجال السياسي ومختلف المستويات القيادية.
وكان جون بول كارتيرون، الرئيس المؤسس لمنتدى كرانس مونتانا، قد اعتبر في كلمة افتتاحية أن العالم يواجه مخاطر حقيقية، ومعالم الأزمة لم تعد تقتصر على البلدان النامية، بل استوطنت الدول المتقدمة في مناحيها الاقتصادية والأمنية والاجتماعية والسياسية، ليؤكد أن ثمة “أزمة حلول” لمقاربة المشاكل المطروحة في أوروبا والولايات المتحدة.
وأبرز كارتيرون الحاجة إلى إعادة بناء العمل الدبلوماسي على مقومات جديدة تحفظ استقرار العالم وتجنبه انفجارات لا طائل منها، تحمل دمارا متبادلا للجميع. ثمة حاجة أيضا إلى روح قيادية جديدة تعززها قيم ومبادئ السلم والتضامن والاعتماد المتبادل.
وخلص إلى أن المبادرة تنبثق من إفريقيا، مستشهدا بحالة دولة مثل المغرب تشكل نموذجا لحكامة يتعين استلهامه، في بلد يعرف كيف يمزج بين عمقه الحضاري الثقافي وقيم التقدم الجديدة، ليبني نهضة شاملة في قطاعات عالية القيمة من قبيل صناعات السيارات والطيران.
واعتبر الرئيس التشيكي السابق، فاكلاف كلاوس، أنه لا معنى للحديث عن عالم جديد في ظل فقدان المعيارية والحس المشترك والمبادئ الحاكمة لسلوك الفاعلين في الساحة الدولية.
ولخص جانبا من الاضطرابات والصراعات المندلعة اليوم في ضمور روح التوافق في النشاط الدبلوماسي والاستراتيجي للدول، مما يقود بسرعة إلى الصدام العنيف الذي لا يكفي فيه لوم المعتدي، بل يتعين فهم الاختلالات البنيوية التي أفضت إليه.
وفي هذا المشهد، ترى إيمانويلا ديل ري، الممثلة الخاصة للاتحاد الأوروبي لمنطقة الساحل، أن العالم يعيش بالفعل حالة التعددية القطبية، وأن إفريقيا، التي وصفتها بأنها “أرض الفرص”، مؤهلة لتكون قطبا هاما في الساحة الدولية، لكنها أبدت تخوفها من أن تغدو القارة ساحة لعب بين القوى الكبرى في مسعاها لتوسيع وخلق مجالات نفوذ حيوية. وهو أمر غير مقبول، على حد قولها.
وينكب منتدى كرانس مونتانا، بمشاركة شخصيات سياسية ودبلوماسية وخبراء وصناع قرار، على بحث التحديات التي يواجهها عالم اليوم: “الجائحة، الحرب، الأزمة المالية والغذائية” من خلال جلسات تستشرف السبيل إلى إعادة بناء توازنات مجتمعية، اقتصادية وأمنية في محيط مضطرب.